صفحة جزء
قوله تعالى : ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد يوجب ظاهره أن يكون لكل واحد منهما السدس مع الولد ذكرا كان الولد أو أنثى ؛ لأن اسم الولد ينتظمهما ، إلا أنه لا خلاف إذا كان الولد بنتا لا تستحق أكثر من النصف لقوله تعالى : وإن كانت واحدة فلها النصف فوجب أن تعطى النصف بحكم النص ، ويكون للأبوين لكل واحد السدس بنص التنزيل ، ويبقى السدس يستحقه الأب بالتعصيب ؛ فاجتمع ههنا للأب الاستحقاق بالتسمية وبالتعصيب جميعا ؛ وإن كان الولد ذكرا فللأبوين السدسان بحكم النص ؛ والباقي للابن ؛ لأنه أقرب تعصيبا من الأب . وقال تعالى : فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فأثبت الميراث للأبوين بعموم اللفظ ثم فصل نصيب الأم وبين مقداره بقوله : فلأمه الثلث ولم يذكر نصيب الأب فاقتضى ظاهر اللفظ للأب الثلثين ؛ إذ ليس هناك مستحق غيره وقد أثبت الميراث لهما بديا وقد كان ظاهر اللفظ يقتضي المساواة لو اقتصر على قوله تعالى : وورثه أبواه دون تفصيل نصيب الأم ، فلما قصر نصيب الأم على الثلث علم أن المستحق للأب الثلثان . قوله تعالى : فإن كان له إخوة فلأمه السدس قال علي وعبد الله بن مسعود وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وزيد بن ثابت وسائر أهل العلم : " إذا ترك أخوين وأبوين فلأمه السدس وما بقي فلأبيه " وحجبوا الأم عن الثلث إلى السدس كحجبهم لها بثلاثة إخوة . وقال ابن عباس : " للأم الثلث " وكان لا يحجبها إلا بثلاثة من الإخوة والأخوات .

وروى معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس : " إذا ترك أبوين وثلاثة إخوة فللأم السدس وللإخوة السدس الذي حجبوا الأم عنه وما بقي فللأب [ ص: 11 ] " . وروي عنه : " أنه إن كان الإخوة من قبل الأم فالسدس لهم خاصة ، وإن كانوا من قبل الأب والأم أو من قبل الأب لم يكن لهم شيء وكان ما بعد السدس للأب " .

والحجة للقول الأول أن اسم الإخوة قد يقع على الاثنين كما قال تعالى : إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وهما قلبان ؛ وقال تعالى : وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب ثم قال تعالى : خصمان بغى بعضنا على بعض فأطلق لفظ الجمع على اثنين ؛ وقال تعالى : وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين فلو كان أخا وأختا كان حكم الآية جاريا فيهما وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : اثنان فما فوقهما جماعة ، ولأن الاثنين إلى الثلاثة في حكم الجمع أقرب منهما إلى الواحد ؛ لأن لفظ الجمع موجود فيهما نحو قولك : " قاما وقعدا وقاموا وقعدوا " كل ذلك جائز في الاثنين والثلاثة ولا يجوز مثله في الواحد ، فلما كان الاثنان في حكم اللفظ أقرب إلى الثلاثة منهما إلى الواحد وجب إلحاقهما بالثلاثة دون الواحد . وقد روى عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد عن أبيه ، أنه كان يحجب الأم بالأخوين ، فقالوا له : يا أبا سعيد إن الله تعالى يقول : فإن كان له إخوة وأنت تحجبها بالأخوين فقال : إن العرب تسمي الأخوين إخوة . فإذا كان زيد بن ثابت قد حكى عن العرب أنها تسمي الأخوين إخوة ، فقد ثبت أن ذلك اسم لهما فيتناولهما اللفظ .

وأيضا قد ثبت أن حكم الأختين حكم الثلاث في استحقاق الثلثين بنص التنزيل في قوله تعالى : فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك وكذلك حكم الأختين من الأم حكم الثلاث في استحقاق الثلث دون حكم الواحدة ، فوجب أن يكون حكمهما حكم الثلاث في حجب الأم عن الثلث إلى السدس ؛ إذ كان حكم كل واحد من ذلك حكما متعلقا بالجمع فاستوى فيه حكم الاثنين والثلاث وروي عن قتادة أنه قال : " إنما يحجب الإخوة الأم من غير أن يرثوا مع الأب ؛ لأنه يقوم بنكاحهم والنفقة عليهم دون الأم " وهذه العلة إنما هي مقصورة على الإخوة من الأب والأم والإخوة من الأب ، فأما الإخوة من الأم فليس إلى الأب شيء من أمرهم وهم يحجبون أيضا كما يحجب الإخوة من الأب والأم ، ولا خلاف بين الصحابة في ثلاثة إخوة وأبوين أن للأم السدس وما بقي فللأب ؛ إلا شيئا يروى عن ابن عباس .

وروى عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس : " أن للأم السدس وللإخوة السدس الذي حجبوا الأم عنه وما بقي فللأب ، وكان لا يحجب بمن [ ص: 12 ] لا يرث ، فلما حجب الأم بالإخوة ورثهم " . وهو قول شاذ وظاهر القرآن خلافه ؛ لأنه تعالى قال : وورثه أبواه فلأمه الثلث ثم قال تعالى : فإن كان له إخوة فلأمه السدس عطفا على قوله تعالى : وورثه أبواه تقديره : وورثه أبواه وله إخوة ؛ وذلك يمنع أن يكون للإخوة شيء .

التالي السابق


الخدمات العلمية