صفحة جزء
باب العول روى الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال : أول من أعال الفرائض عمر بن الخطاب لما التوت عليه الفرائض ودافع بعضها بعضا قال : والله ما أدري أيكم قدم الله ولا أيكم أخر ؛ وكان امرأ ورعا فقال : ما أجد شيئا هو أوسع لي أن أقسم المال عليكم بالحصص ؛ وأدخل على كل ذي حق ما دخل عليه من عول الفريضة .

وروى أبو إسحاق عن الحارث عن علي في بنتين وأبوين وامرأة قال : " صار ثمنها تسعا " ، وكذلك رواه الحكم بن عتيبة عنه ، وهو قول عبد الله وزيد بن ثابت .

وقد روي أن العباس بن عبد المطلب أول من أشار على عمر بالعول ، قال عبيد الله بن عبد الله : قال ابن العباس : أول من أعال الفرائض عمر بن الخطاب وأيم الله لو قدم من قدم الله لما عالت فريضة فقيل له : وأيها التي قدم الله وأيها التي أخر ؟ قال : كل فريضة لم تزل عن فريضة إلا إلى فريضة فهي التي قدم الله ، وكل فريضة إذا زالت عن فرضها لم يكن لها ما بقي فهي التي أخر الله تعالى ؛ فأما التي قدم الله تعالى فالزوج والزوجة والأم ؛ لأنهم لا يزولون من فرض إلا إلى فرض ، والبنات والأخوات نزلن من فرض إلى تعصيب مع البنتين والإخوة فيكون لهن ما بقي مع الذكور ، فنبدأ بأصحاب السهام ثم يدخل الضرر على الباقين وهم الذين يستحقون ما بقي إذا كانوا عصبة . قال عبيد الله بن عبد الله : فقلنا له : فهلا راجعت فيه عمر فقال : إنه كان امرأ مهيبا ورعا ؛ قال ابن عباس : ولو كلمت فيه عمر لرجع .

وقال الزهري : لولا أنه تقدم ابن عباس إمام عدل فأمضى أمرا فمضى وكان امرأ ورعا ما اختلف على ابن عباس اثنان من أهل العلم .

وروى محمد بن إسحاق عن ابن أبي نجيح [ ص: 23 ] عن عطاء بن أبي رباح قال : سمعت ابن عباس ذكر الفرائض وعولها فقال : أترون الذي أحصى رمل عالج عددا جعل في مال قسمه نصفا ونصفا وثلثا ؟ فهذا النصف وهذا النصف فأين موضع الثلث ؟ قال عطاء : فقلت لابن عباس : يا ابن عباس إن هذا لا يغني عنك ولا عني شيئا ، لو مت أو مت قسم ميراثنا على ما عليه القوم من خلاف رأيك ورأيي . قال : فإن شاءوا فلندع أبناءنا وأبناءهم ونساءنا ونساءهم وأنفسنا وأنفسهم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ، ما جعل الله في مال نصفا ونصفا وثلثا .

والحجة للقول الأول أن الله تعالى قد سمى للزوج النصف وللأخت من الأب والأم النصف وللإخوة من الأم الثلث ، ولم يفرق بين حال اجتماعهم وانفرادهم ، فوجب استعمال نص الآية في كل موضع على حسب الإمكان ؛ فإذا انفردوا واتسع المال لسهامهم قسم بينهم عليها ، وإذا اجتمعوا وجب استعمال حكم الآية في التضارب بها ، ومن اقتصر على بعض وأسقط بعضا أو نقص نصيب بعض ووفى الآخرين كمال سهامهم فقد أدخل الضيم على بعضهم مع مساواته للآخرين في التسمية .

فأما ما قاله ابن عباس من تقديم من قدم الله تعالى وتأخير من أخر ، فإنما قدم بعضا وأخر بعضا وجعل له الباقي في حال التعصيب ، فأما حال التسمية التي لا تعصيب فيها فليس واحد منهم أولى بالتقديم من الآخر ، ألا ترى أن الأخت منصوص على فرضها بقوله تعالى : وله أخت فلها نصف ما ترك كنصه على فرض الزوج والأم والإخوة من الأم ، فمن أين وجب تقديم هؤلاء عليها في هذه الحالة وقد نص الله تعالى على فرضها في هذه الحال كما نص على فرض الذين معها ؟ وليس يجب ؛ لأن الله أزال فرضها إلى غير فرض في موضع أن يزيل فرضها في الحال التي نص عليه فيها ؛ فهذا القول أشنع في مخالفة الآي التي فيها سهام المواريث من القول بإثبات نصف ونصف وثلث على وجه المضاربة بها .

ولذلك نظائر في المواريث من الأصول أيضا ، قال الله تعالى : من بعد وصية يوصى بها أو دين فلو ترك الميت ألف درهم وعليه دين لرجل ألف درهم ولآخر خمسمائة ولآخر ألف ، كانت الألف المتروكة مقسومة بينهم على قدر ديونهم ، وليس يجوز أن يقال له لم يكن استيفاء ألفين وخمسمائة من ألف استحال الضرب بها ؛ وكذلك لو أوصى رجل بثلث ماله لرجل وبسدسه لآخر ولم تجز ذلك الورثة تضاربا في الثلث بقدر وصاياهم ، فيضرب أحدهما بالسدس والآخر بالثلث مع استحالة استيفاء النصف [ ص: 24 ] من الثلث ؛ وكذلك الابن يستحق جميع المال لو انفرد وللبنت النصف لو انفردت ، فإذا اجتمعا ضرب الابن بجميع المال والبنت بالنصف فيكون المال بينهما أثلاثا ، وهكذا سبيل العول في الفرائض عند تدافع السهام ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية