صفحة جزء
قال أبو بكر : قوله تعالى : إلا ما ملكت أيمانكم يقتضي إباحة الوطء بملك اليمين لوجود الملك ، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد روي عنه ما حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا عمرو بن عون قال : أخبرنا شريك عن قيس بن وهب عن أبي الوداك عن أبي سعيد الخدري ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في سبايا أوطاس : لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة .

وحدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا سعيد بن منصور قال : حدثنا أبو معاوية عن محمد بن إسحاق قال : حدثني يزيد بن أبي حبيب عن أبي مرزوق عن حنش الصنعاني عن رويفع بن ثابت الأنصاري قال : قام فينا خطيبا فقال : أما إني لا أقول لكم إلا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم حنين : لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره حتى يستبرئها بحيضة . قال أبو داود : ذكر الاستبراء هاهنا وهم من أبي معاوية ، وهو صحيح في حديث أبي سعيد . وحدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا النفيلي قال : حدثنا مسكين قال : حدثنا شعبة عن يزيد بن خمير عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن أبي الدرداء ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في غزوة ، فرأى امرأة مجحا فقال : لعل صاحبها ألم بها ؟ قالوا : نعم ، قال : لقد هممت أن ألعنه لعنة تدخل معه في قبره ، كيف يورثه وهو لا يحل له وكيف يستخدمه وهو لا يحل له . فهذه الأخبار [ ص: 85 ] تمنع من استحدث ملكا في جارية أن يطأها حتى يستبرئها إن كانت حائلا ، وحتى تضع حملها إن كانت حاملا ؛ وليس بين فقهاء الأمصار خلاف في وجوب استبراء المسبية على ما ذكرنا ؛ إلا أن الحسن بن صالح قال : " عليها العدة حيضتين إذا كان لها زوج في دار الحرب " وقد ثبت بحديث أبي سعيد الذي ذكرنا الاستبراء بحيضة واحدة ، وليس هذا الاستبراء بعدة ؛ لأنها لو كانت عدة لفرق النبي صلى الله عليه وسلم بين ذوات الأزواج منهن وبين من ليس لها زوج منهن ؛ لأن العدة لا تجب إلا عن فراش ، فلما سوى النبي صلى الله عليه وسلم بين من كان لها فراش وبين من لم يكن لها فراش دل ذلك على أن هذه الحيضة ليست بعدة .

فإن قيل : قد ذكر في حديث أبي سعيد الذي ذكرت : " إذا انقضت عدتهن " فجعل ذلك عدة . قيل له : يجوز أن تكون هذه اللفظة من كلام الراوي تأويلا منه للاستبراء أنه عدة ، وجائز أن تكون العدة لما كان أصلها استبراء الرحم أجري اسم العدة على الاستبراء على وجه المجاز .

قال أبو بكر : وقد روي في قوله تعالى : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم تأويل آخر : روى زمعة عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال : " ذوات الأزواج " ورجع ذلك إلى قوله : حرم الله الزنا .

وروى معمر عن ابن طاوس عن أبيه في قوله تعالى : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم قال : " فزوجتك مما ملكت يمينك " يقول : حرم الله تعالى الزنا ، لا يحل لك أن تطأ امرأة إلا ما ملكت يمينك .

وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم قال : " نهي عن الزنا " . وعن عطاء بن السائب قال : " كل محصنة عليك حرام إلا امرأة تملكها بنكاح " . قال أبو بكر : وكأن تأويلها عند هؤلاء أن ذوات الأزواج حرام إلا على أزواجهن ؛ وليس يمتنع أن يكون ذلك من مراد الله تعالى بالآية لاحتمال اللفظ له ، وذلك لا يمنع إرادة المعاني التي تأولها الصحابة عليها من إباحة وطء السبايا اللاتي لهن أزواج حربيون فيكون محمولا على الأمرين ، والأظهر أن ملك اليمين هي الأمة دون الزوجات ؛ لأن الله قد فرق بينهما ، فقال الله تعالى : والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فجعل ملك اليمين غير الزوجات ؛ والإطلاق إنما يتناول الإماء المملوكات دون الزوجات ، وهي كذلك في الحقيقة ؛ لأن الزوج لا يملك من زوجته شيئا وإنما له منها استباحة الوطء ومنافع بضعها في ملكها دونه ، ألا تري أنها لو وطئت بشبهة وهي تحت زوج كان المهر لها دونه ؟ فدل ذلك [ ص: 86 ] على أنه لا يملك من زوجته شيئا ، فوجب أن يحمل قوله تعالى : إلا ما ملكت أيمانكم على من يملكها في الحقيقة وهي المسبية .

التالي السابق


الخدمات العلمية