صفحة جزء
قوله تعالى : فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا روي عن ابن عباس : " أنها نزلت في [ ص: 187 ] قوم أظهروا الإسلام بمكة وكانوا يعينون المشركين على المسلمين " وروي مثله عن قتادة .

وقال الحسن ومجاهد : " نزلت في قوم قدموا المدينة فأظهروا الإسلام ثم رجعوا إلى مكة فأظهروا الشرك " . وقال زيد بن ثابت : " نزلت في الذين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وقالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم " . وفي نسق الآية دلالة على خلاف هذا التأويل الأخير وأنهم من أهل مكة ، وهو قوله تعالى : فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله وقوله تعالى : أركسهم قال ابن عباس : " ردهم " .

وقال قتادة : " أركسهم أهلكهم " . وقال غيرهم : " أركسهم نكسهم " . قال الكسائي : " أركسهم وركسهم بمعنى " وإنما المعنى ردهم في حكم الكفر من الصغار والذلة ، وقيل من السبي والقتل ؛ لأنهم أظهروا الارتداد بعدما كانوا على النفاق . وإنما وصفوا بالنفاق وقد أظهروا الارتداد عن الإسلام لأنهم نسبوا إلى ما كانوا عليه قبل من إضمار الكفر ، قاله الحسن .

وقال النحويون : هذا يحسن مع علم التعريف وهو الألف واللام ، كما تقول : " هذه العجوز هي الشابة " يعني هي التي كانت شابة ، ولا يجوز " هذه شابة " .

فأبان تعالى للمسلمين بهذه الآية عن أحوال هذه الطائفة من المنافقين أنهم يظهرون لكم الإسلام وإذا رجعوا إلى قومهم أظهروا الكفر والردة ، ونهى المسلمين عن أن يحسنوا بهم الظن وأن يجادلوا عنهم . قوله تعالى : ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء يعني هذه الطائفة أخبر بذلك عن ضمائرهم واعتقاداتهم لئلا يحسن المؤمنون بهم الظن وليعتقدوا معاداتهم والبراءة منهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية