صفحة جزء
وقوله عز وجل : ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت [ ص: 229 ] فقد وقع أجره على الله فيه إخبار بوجوب أجر من هاجر إلى الله ورسوله وإن لم تتم هجرته ، وهذا يدل على أن من خرج متوجها لفعل شيء من القرب أن الله يجازيه بقدر نيته وسعيه وإن اقتطع دونه ، كما أوجب الله أجر من خرج مهاجرا وإن لم تتم هجرته .

وفيه ما يدل على صحة قول أبي يوسف ومحمد فيمن خرج يريد الحج ثم مات في بعض الطريق وأوصى أن يحج عنه أنه يحج عنه من الموضع الذي مات فيه ، وكذلك الحاج عن الميت أو عمن ليس عليه فرض الحج بنفسه أنه يحج عنه من حيث مات الذي قصد للحج ؛ لأن الله قد كتب له بمقدار ما كان له من الخروج والنفقة ، فلما كان ذلك محتسبا للأول كان الذي وجب أن يقضي عنه ما بقي .

وفيه الدلالة على أن من قال : " إن خرجت من داري إلا إلى الصلاة أو إلى الحج فعبدي حر " فخرج يريد الصلاة أو الحج ثم لم يصل ولم يحج وتوجه إلى حاجة أخرى أنه لا يحنث في يمينه ؛ لأن خروجه بديا كان للصلاة أوللحج لمقارنة النية له ، كما كان خروج من خرج مهاجرا قربة وهجرة لمقارنة النية واقتطاع الموت له عن الوصول إلى دار الهجرة لم يبطل حكم الخروج على الوجه الذي وجد بديا عليه ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه فأخبر أن أحكام الأفعال متعلقة بالنيات ، فإذا كان خروجه على نية الهجرة كان مهاجرا ، وإذا كان على نية الغزو كان غازيا .

واستدل قوم بهذه الآية على أن الغازي إذا مات في الطريق وجب سهمه من الغنيمة لورثته . وهذه الآية لا تدل على ما قالوا ؛ لأن كونها غنيمة متعلق بحيازتها ؛ إذ لا تكون غنيمة إلا بعد الحيازة ؛ وقال الله تعالى : واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه فمن مات قبل أن يغنم فهو لم يغنم شيئا فلا سهم له ؛ وقوله تعالى فقد وقع أجره على الله لا دلالة فيه على وجوب سهمه ؛ لأنه لا خلاف أنه لو خرج غازيا من بيته فمات في دار الإسلام قبل أن يدخل دار الحرب أنه لا سهم له ، وقد وجب أجره على الله كما وجب أجر الذي خرج مهاجرا ومات قبل بلوغه دار هجرته والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية