صفحة جزء
باب ذكر صفة الطواف قال أبو بكر رحمه الله تعالى : كل طواف بعده سعي ففيه رمل في الثلاثة الأشواط الأول ، وكل طواف ليس بعده سعي بين الصفا والمروة فلا رمل فيه ، فالأول مثل طواف القدوم إذا أراد السعي بعده ، وطواف الزيارة إذا لم يسع بين الصفا والمروة حين قدم ، فإن كان قد سعى حين قدم عقيب طواف القدوم فلا رمل فيه وطواف العمرة فيه رمل ؛ لأن بعده سعيا بين الصفا والمروة وقد رمل النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة حاجا .

رواه جابر بن عبد الله وابن عباس في رواية عطاء عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم . وكذلك روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم رمل في الثلاثة الأشواط من الحجر إلى الحجر . وروي نحو ذلك عن عمر وابن مسعود وابن عمر من قولهم مثل ذلك ، وروى أبو الطفيل عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم رمل من الركن اليماني ثم مشى إلى الركن الأسود .

وكذلك رواه أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم . والنظر يدل على ما رواه الأولون من قبل اتفاق الأولين جميعا على تساوي الأربع الأواخر في المشي فيهن ، كذلك يجب أن يستوي الثلاث الأول في الرمل فيهن في جميع الجوانب ؛ إذ ليس في الأصول اختلاف حكم جوانبه في المشي ولا الرمل في سائر أحكام الطواف وقد اختلف السلف في بقاء سنة الرمل ، فقال قائلون : إنما كان ذلك سنة حين فعله النبي صلى الله عليه وسلم مرائيا به للمشركين إظهارا للتجلد والقوة في عمرة القضاء ؛ لأنهم قالوا : قد أوهنتهم حمى يثرب ؛ فأمرهم بإظهار الجلد لئلا يطمع فيهم .

وقال زيد بن أسلم عن أبيه قال : سمعت عمر بن الخطاب يقول : " فيم الرملان الآن والكشف عن المناكب وقد أظهر الله الإسلام [ ص: 97 ] ونفى الكفر وأهله ؟ ومع ذلك لا ندع شيئا كنا نفعله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم " .

وقال أبو الطفيل : قلت لابن عباس : إن قومك يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل بالبيت وأنه سنة ، قال : " صدقوا وكذبوا ، قد رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس بسنة " .

قال أبو بكر : ومذهب أصحابنا أنه سنة ثابتة لا ينبغي تركها ، وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم أمر به بديا لإظهار الجلد والقوة مراءاة للمشركين ؛ لأنه قد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم رمل في حجة الوداع ولم يكن هناك مشركون ؛ وقد فعله أبو بكر وعمر وابن مسعود وابن عمر وغيرهم ؛ فثبت بقاء حكمه وليس تعلقه بديا بالسبب المذكور مما يوجب زوال حكمه حيث زال السبب .

ألا ترى أنه قد روي أن سبب رمي الجمار أن إبليس لعنه الله عرض لإبراهيم عليه السلام بموضع الجمار فرماه ، ثم صار الرمي سنة باقية مع عدم ذلك السبب ؟ وروي أن سبب السعي بين الصفا والمروة أن أم إسماعيل عليه السلام صعدت الصفا تطلب الماء ثم نزلت فأسرعت المشي في بطن الوادي لغيبة الصبي عن عينها ، ثم لما صعدت من الوادي رأت الصبي فمشت على هينتها وصعدت المروة تطلب الماء ، فعلت ذلك سبع مرات ، فصار السعي بينهما سنة ، وإسراع المشي في الوادي سنة مع زوال السبب الذي فعل من أجله ، فكذلك الرمل في الطواف .

وقال أصحابنا : يستلم الركن الأسود واليماني دون غيرهما . وقد روي ذلك عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وروي أيضا عن ابن عباس عنه ، وقال ابن عمر حين أخبر بقول عائشة إن الحجر بعضه من البيت : " إني لأظن النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك استلامهما إلا أنهما ليسا على قواعد البيت ولا طاف الناس من وراء الحجر إلا لذلك " . وقال يعلى بن أمية : طفت مع عمر بن الخطاب ، فلما كنت عند الركن الذي يلي الحجر أخذت أستلمه فقال : ما طفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قلت : بلى قال فرأيته يستلمه ؟ قلت : لا قال : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة

التالي السابق


الخدمات العلمية