صفحة جزء
قوله تعالى : كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله فيه إخبار بغلبة المسلمين لليهود الذين تقدم ذكرهم في قوله : وقالت اليهود يد الله مغلولة وفيه دلالة على صحة نبوة النبي صلى الله عليه وسلم لأنه أخبر به عن الغيب مع كثرة اليهود وشدة شوكتهم ؛ وقد كان من حول المدينة منهم تقاوم العرب في الحروب التي كانت تكون بينهم في الجاهلية ، فأخبر الله تعالى في هذه الآية بظهور المسلمين عليهم ، فكان مخبره على ما أخبر به ، فأجلى النبي صلى الله عليه وسلم بني قينقاع وبني النضير وقتل بني قريظة وفتح خيبر عنوة وانقادت له سائر اليهود صاغرين حتى لم تبق منهم فئة تقاتل المسلمين .

وإنما ذكر النار هاهنا عبارة عن الاستعداد للحرب والتأهب لها ، على مذهب العرب في إطلاق اسم النار في هذا الموضع ؛ ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : أنا بريء من كل مسلم مع مشرك قيل : لم يا رسول الله ؟ قال : لا تراءى ناراهما ؛ وإنما عنى بها نار الحرب ، يعني أن حرب المشركين للشيطان وحرب المسلمين لله تعالى فلا يتفقان . وقيل : إن الأصل في العبارة باسم النار عن الحرب ، أن القبيلة الكبيرة من العرب كانت إذا أرادت حرب أخرى منها أوقدت النيران على رءوس الجبال والمواضع المرتفعة التي تعم القبيلة رؤيتها ، فيعلمون أنهم قد ندبوا إلى [ ص: 106 ] الاستعداد للحرب والتأهب لها فاستعدوا وتأهبوا ، فصار اسم النار في هذا الموضع مفيدا للتأهب للحرب . وقد قيل فيه وجه آخر ، وهو أن القبائل كانت إذا رأت التحالف على التناصر على غيرهم والجد في حربهم وقتالهم ، أوقدوا نارا عظيمة ثم قربوا منها وتحالفوا بحرمان منافعها إن هم غدروا أو نكلوا عن الحرب ؛ وقالالأعشى :

وأوقدت للحرب نارا

.

التالي السابق


الخدمات العلمية