صفحة جزء
واختلف في البراذين ، فقال أصحابنا ومالك والثوري والشافعي : { البرذون والفرس سواء } . وقال الأوزاعي : { كانت أئمة المسلمين فيما سلف لا يسهمون للبراذين حتى هاجت الفتنة من بعد قتل الوليد بن يزيد } . وقال الليث : { للهجين والبرذون سهم واحد ولا يلحقان بالعراب } . قال أبو بكر : قال الله تعالى : ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وقال : فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب وقال : والخيل والبغال والحمير فعقل باسم [ ص: 242 ] الخيل في هذه الآيات البراذين كما عقل منها العراب ، فلما شملها اسم الخيل وجب أن يستويا في السهمان . ويدل عليه أن راكب البرذون يسمى فارسا كما يسمى به راكب الفرس العربي ، فلما أجري عليهما اسم الفارس وقال النبي صلى الله عليه وسلم : للفارس سهمان وللراجل سهم عم ذلك فارس البرذون كما عم فارس العراب وأيضا إن كان من الخيل فواجب أن لا يختلف سهمه وسهم العربي ، وإن لم يكن من الخيل فواجب أن لا يستحق شيئا ، فلما وافقنا الليث ومن قال بقوله إنه يسهم له دل على أنه من الخيل وأنه لا فرق بينه وبين العربي . وأيضا لا يختلف الفقهاء في أنه بمنزلة الفرس العربي في جواز أكله وحظره على اختلافهم فيه ، فدل على أنهما جنس واحد ، فصار فرق ما بينهما كفرق ما بين الذكر والأنثى والهزيل والسمين والجواد وما دونه ، وأن اختلافهما في هذه الوجوه لم يوجب اختلاف سهامهما . وأيضا فإن الفرس العربي وإن كان أجرى من البرذون فإن البرذون أقوى منه على حمل السلاح . وأيضا فإن الرجل العربي والعجمي لا يختلفان في حكم السهام كذلك الخيل العربي والعجمي . وقال عبد الله بن دينار : سألت سعيد بن المسيب عن صدقة البراذين فقال سعيد : وهل في الخيل من صدقة ؟ وعن الحسن أنه قال : البراذين بمنزلة الخيل . وقال مكحول : أول من قسم للبراذين خالد بن الوليد يوم دمشق ، قسم للبراذين نصف سهمان الخيل لما رأى من جريها وقوتها ، فكان يعطي البراذين سهما سهما ، وهذا حديث مقطوع وقد أخبر فيه أنه فعله من طريق الرأي والاجتهاد لما رأى من قوتها ، فإذا ليس بتوقيف وقد روى إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه قال : أغارت الخيل بالشام وعلى الناس رجل من همدان يقال له المنذر بن أبي حمصة الوادعي ، فأدركت الخيل العراب من يومها وأدركت الكوادن من الغد ، فقال : لا أجعل ما أدرك كما لم يدرك ، فكتب إلى عمر فيه ، فكتب عمر : هبلت الوادعي أمه لقد اذكرت به ، أمضوها على ما قال فاحتج من لم يسهم للبراذين بذلك . ولا دلالة في هذا الحديث على أن ذلك كان رأي عمر ، وإنما أجازه لأنه مما يسوغ فيه الاجتهاد ، وقد حكم به أمير الجيش فأنفذه .

التالي السابق


الخدمات العلمية