صفحة جزء
قوله تعالى : ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة العدة ما يعده الإنسان ويهيئه لما يفعله في المستقبل ، وهو نظير الأهبة وهذا يدل على وجوب الاستعداد للجهاد قبل وقت وقوعه ، وهو كقوله : وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل وقوله تعالى : ولكن كره الله انبعاثهم يعني خروجهم كان يقع على وجه الفساد وتخذيل المسلمين وتخويفهم من العدو والتضريب بينهم ، والخروج [ ص: 320 ] على هذا الوجه معصية وكفر ، فكرهه الله تعالى وثبطهم عنه إذ كان معصية ، والله لا يحب الفساد . وقوله تعالى : وقيل اقعدوا مع القاعدين أي مع النساء والصبيان . وجائز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم : اقعدوا مع القاعدين وجائز أن يكون قاله بعضهم لبعض . قوله تعالى : لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا الآية . فيه بيان وجه خروجهم لو خرجوا ، وإخبار أن المصلحة للمسلمين كانت في تخلفهم ، وهذا يدل على أن معاتبة الله لنبيه صلى الله عليه وسلم في قوله : لم أذنت لهم أن الله علم أنه لو لم يأذن لهم لم يخرجوا أيضا فيظهر للمسلمين كذبهم ونفاقهم ، وقد أخبر الله تعالى أن خروجهم لو خرجوا على هذا الوجه كان يكون معصية وفسادا على المؤمنين . وقوله : ما زادوكم إلا خبالا والخبال الاضطراب في الرأي ، فأخبر الله تعالى أنهم لو خرجوا لسعوا بين المؤمنين في التضريب وإفساد القلوب والتخذيل عن العدو ، فكان ذلك يوجب اضطراب آرائهم .

فإن قال قائل : لم قال : ما زادوكم إلا خبالا ولم يكونوا على خبال يزاد فيه ؟ قيل له : يحتمل وجهين :

أحدهما : أنه استثناء منقطع ، تقديره : ما زادوكم قوة لكن طلبوا لكم الخبال . والآخر : أنه يحتمل أن يكون قوم منهم قد كانوا على خبال في الرأي لما يعرض في النفوس من التلون إلى أن استقر على الصواب ، فيقويه هؤلاء حتى يصير خبالا معدولا به عن صواب الرأي .

قوله تعالى : ولأوضعوا خلالكم قال الحسن : { ولأوضعوا خلالكم بالنميمة لإفساد ذات بينكم } . وقوله تعالى : يبغونكم الفتنة فإن الفتنة هاهنا المحنة باختلاف الكلمة والفرقة ، ويجوز أن يريد به الكفر ؛ لأنه يسمى بهذا الاسم لقوله تعالى : وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة وقوله : والفتنة أشد من القتل وقوله : وفيكم سماعون لهم قال الحسن ومجاهد : { عيون منهم ينقلون إليهم ما يسمعون منكم } . وقال قتادة وابن إسحاق : { قابلون منهم عند سماع قولهم } . قوله تعالى : لقد ابتغوا الفتنة من قبل يعني طلبوا الفتنة ، وهي هاهنا الاختلاف الموجب للفرقة بعد الألفة . وقوله تعالى : وقلبوا لك الأمور يعني به تصريف الأمور ، وتقليبها ظهرا لبطن طلبا لوجه الحيلة والمكيدة في إطفاء نوره وإبطال أمره ، فأبى الله تعالى إلا إظهار دينه وإعزاز نبيه وعصمه من كيدهم وحيلهم .

قوله تعالى : ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني قال ابن عباس ومجاهد : { نزلت في الجد بن قيس قال ائذن لي ولا تفتني ببنات بني الأصفر فإني مستهتر بالنساء ، وكان ذلك حين دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى غزاة تبوك } ، وقال الحسن وقتادة وأبو عبيدة : لا تؤثمني بالعصيان [ ص: 321 ] في المخالفة التي توجب الفرقة . قوله تعالى : قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا .

روي عن الحسن : كل ما يصيبنا من خير وشر فهو ما كتبه الله في اللوح المحفوظ فليس على ما يتوهمه الكفار من إهمالنا من غير أن يرجع أمرنا إلى تدبير ربنا . وقيل : { لن يصيبنا في عاقبة أمرنا إلا ما كتب الله لنا من النصر الذي وعدنا } . قوله تعالى : قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم صيغته صيغة الأمر ، والمراد البيان عن التمكين من الطاعة والمعصية ، كقوله : فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر وقيل : معناه الخبر الذي يدخل فيه { إن } للجزاء ، كما قال كثير :

أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة لدينا ولا مقلية إن تقلت

ومعناه : إن أحسنت أو أسأت لم تلامي . قوله تعالى : فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا قيل فيه ثلاثة أوجه : قال ابن عباس وقتادة : فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة فكان ذلك عندهما على تقديم الكلام وتأخيره . وقال الحسن : { ليعذبهم في الزكاة بالإنفاق في سبيل الله } . وقال آخرون : { يعذبهم بها بالمصائب } . وقيل : { قد يكون صفة الكفار بالسبي وغنيمة الأموال } . وهذه { اللام } التي في قوله ليعذبهم هي لام العاقبة ، كقوله تعالى : ليكون لهم عدوا وحزنا

التالي السابق


الخدمات العلمية