صفحة جزء
باب ذوي القربى الذين تحرم عليهم الصدقة قال أصحابنا : من تحرم عليهم الصدقة منهم آل العباس ، وآل علي ، وآل جعفر ، وآل عقيل ، وولد الحارث بن عبد المطلب جميعا . وحكى الطحاوي عنهم : وولد عبد المطلب ، ولم أجد ذلك عنهم رواية . والذي تحرم عليهم من ذلك الصدقات المفروضة ، وأما التطوع فلا بأس [ ص: 335 ] به . وذكر الطحاوي أنه روي عن أبي حنيفة وليس بالمشهور أن فقراء بني هاشم يدخلون في آية الصدقات ، ذكره في أحكام القرآن ، قال : وقال أبو يوسف ومحمد لا يدخلون . قال أبو بكر : المشهور عن أصحابنا جميعا من قدمنا ذكره من آل العباس وآل علي وآل جعفر وآل عقيل وولد الحارث بن عبد المطلب ، وأن تحريم الصدقة عليهم خاص في المفروض منه دون التطوع .

وروى ابن سماعة عن أبي يوسف أن الزكاة من بني هاشم تحل لبني هاشم ، ولا يحل ذلك من غيرهم لهم . وقال مالك : { لا تحل الزكاة لآل محمد والتطوع يحل } وقال الثوري : لا تحل الصدقة لبني هاشم ولم يذكر فرقا بين النفل والفرض ، وقال الشافعي : { تحرم صدقة الفرض على بني هاشم وبني عبد المطلب ، ويجوز صدقة التطوع على كل أحد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه كان لا يأخذها } . والدليل على أن الصدقة المفروضة محرمة على بني هاشم حديث ابن عباس قال : ما خصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء دون الناس إلا بثلاث إسباغ الوضوء ، وأن لا نأكل الصدقة ، وأن لا ننزي الحمير على الخيل . وروي أن الحسن بن علي أخذ تمرة من الصدقة فجعلها في فيه ، فأخرجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة . وحدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا نصر بن علي قال : حدثنا أبي عن خالد بن قيس عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم وجد تمرة فقال : لولا أني أخاف أن تكون صدقة لأكلتها . وروى بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم : في الإبل السائمة من كل أربعين ابنة لبون من أعطاها مؤتجرا فله أجرها ، ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله ، لا يحل لآل محمد منها شيء . وروي من وجوه كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : إن الصدقة لا تحل لآل محمد إنما هي أوساخ الناس . فثبت بهذه الأخبار تحريم الصدقات المفروضات عليهم .

فإن قيل : روى شريك عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس قال : قدم عير المدينة ، فاشترى منها النبي صلى الله عليه وسلم متاعا فباعه بربح أواق فضة ، فتصدق بها على أرامل بني عبد المطلب ثم قال : لا أعود أن أشتري بعدها شيئا ، وليس ثمنه عندي فقد تصدق على هؤلاء ، وهن هاشميات . قيل له : ليس في الخبر أنهن كن هاشميات ، وجائز أن لا يكن هاشميات بل زوجات بني عبد المطلب من غير بني عبد المطلب ، بل عربيات من غيرهم ، وكن أزواجا لبني عبد المطلب فماتوا عنهن . وأيضا فإن ذلك كان صدقة تطوع ، وجائز أن يتصدق عليهم بصدقة التطوع . وأيضا فإن حديث عكرمة الذي ذكرناه أولى ؛ لأن حديث ابن عباس أخبر [ ص: 336 ] فيه بحكمه فيهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فالحظر متأخر للإباحة ، فهذا أولى ، وأما بنو المطلب فليسوا من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم لأن قرابتهم منه كقرابة بني أمية ، ولا خلاف أن بني أمية ليسوا من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك بنو المطلب فإن قيل : لما أعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم من الخمس سهم ذوي القربى كما أعطى بني هاشم ، ولم يعط بني أمية دل ذلك على أنهم بمنزلة بني هاشم في تحريم الصدقة . قيل له : إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعطهم للقرابة فحسب ؛ لأنه لما قال عثمان بن عفان ، وجبير بن مطعم : يا رسول الله أما بنو هاشم فلا ننكر فضلهم لقربهم منك ، وأما بنو المطلب فنحن ، وهم في النسب شيء واحد فأعطيتهم ، ولم تعطنا فقال صلى الله عليه وسلم : إن بني المطلب لم تفارقني في جاهلية ، ولا إسلام ، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يعطهم بالقرابة فحسب بل بالنصرة والقرابة ، ولو كانت إجابتهم إياه ونصرتهم له في الجاهلية والإسلام أصلا لتحريم الصدقة لوجب أن يخرج منها آل أبي لهب ، وبعض آل الحارث بن عبد المطلب من أهل بيته لأنهم لم يجيبوه ، وينبغي أن لا تحرم على من ولد في الإسلام من بني أمية لأنهم لم يخالفوه ، وهذا ساقط ، وأيضا فإن سهم الخمس إنما يستحقه خاص منهم ، وهو موكول إلى اجتهاد الإمام ورأيه ، ولم يثبت خصوص تحريم الصدقة في بعض آل النبي صلى الله عليه وسلم . وأيضا فليس استحقاق سهم من الخمس أصلا لتحريم الصدقة ؛ لأن اليتامى والمساكين وابن السبيل يستحقون سهما من الخمس ، ولم تحرم عليهم الصدقة ، فدل على أن استحقاق سهم من الخمس ليس بأصل في تحريم الصدقة .

واختلف في الصدقة على موالي بني هاشم وهل أريدوا بآية الصدقة ، فقال أصحابنا والثوري : { مواليهم بمنزلتهم في تحريم الصدقات المفروضات عليهم } وقال مالك بن أنس : { لا بأس بأن يعطى مواليهم } . والذي يدل على القول الأول حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل أرقم بن أرقم الزهري على الصدقة ، فاستتبع أبا رافع ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الصدقة حرام على محمد ، وآل محمد ، وإن مولى القوم من أنفسهم . وروي عن عطاء بن السائب عن أم كلثوم بنت علي عن مولى لهم يقال له هرمز أو كيسان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : يا أبا فلان إنا أهل بيت لا نأكل الصدقة ، وإن مولى القوم من أنفسهم فلا تأكل الصدقة . وأيضا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم : الولاء لحمة كلحمة النسب ، وكانت الصدقة محرمة على من قرب نسبه من النبي صلى الله عليه وسلم وهم بنو هاشم وجب أن يكون مواليهم بمثابتهم ، إذ كان النبي صلى الله عليه وسلم قد جعله لحمة كالنسب .

واختلف في جواز أخذ بني هاشم [ ص: 337 ] للعمالة من الصدقة إذا عملوا عليها ، فقال أبو يوسف ومحمد من غير خلاف ذكراه عن أبي حنيفة : { لا يجوز أن يعمل على الصدقة أحد من بني هاشم ولا يأخذ عمالته منها } ، قال محمد : { وإنما يصنع ما كان يأخذه علي بن أبي طالب رضي الله عنه في خروجه إلى اليمن على أنه كان يأخذ من غير الصدقة } . قال أبو بكر : يعني بقوله : { لا يعمل على الصدقة } على معنى أنه يعملها ليأخذ عمالتها ، فأما إذا عمل عليها متبرعا على أن لا يأخذ شيئا فهذا لا خلاف بين أهل العلم في جوازه . وقال آخرون : { لا بأس بالعمالة لهم من الصدقة } .

والدليل على صحة القول الأول ما حدثنا عبد الباقي بن قانع قال : حدثنا علي بن محمد قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا معمر قال : سمعت أبي يحدث عن جيش عن عكرمة عن ابن عباس قال : بعث نوفل بن الحارث ابنيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : انطلقا إلى عمكما لعله يستعملكما على الصدقة ، فجاءا فحدثا نبي الله صلى الله عليه وسلم بحاجتهما ، فقال لهما نبي الله صلى الله عليه وسلم : لا يحل لكم أهل البيت من الصدقات شيء ؛ لأنها غسالة الأيدي ، إن لكم في خمس الخمس ما يغنيكما أو يكفيكما . وروي عن علي أنه قال للعباس سل النبي صلى الله عليه وسلم أن يستعملك على الصدقة ، فسأله فقال : ما كنت لأستعملك على غسالة ذنوب الناس وروى الفضل بن العباس ، وعبد المطلب بن ربيعة بن الحارث سألا النبي صلى الله عليه وسلم أن يستعملهما على الصدقة ليصيبا منها ، فقال : إن الصدقة لا تحل لآل محمد فمنعهما أخذ العمالة ، ومنع أبا رافع ذلك أيضا ، وقال : مولى القوم منهم . واحتج المبيحون لذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عليا إلى اليمن على الصدقة رواه جابر وأبو سعيد جميعا . ومعلوم أنه قد كانت ولايته على الصدقات وغيرها ، ولا حجة في هذا لهم ؛ لأنه لم يذكر أن عليا أخذ عمالته منها ، وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : خذ من أموالهم صدقة ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يأخذ من الصدقة عمالة ، وقد كان علي بن أبي طالب حين خرج إلى اليمن فولي القضاء والحرب بها ، فجائز أن يكون أخذ رزقه من مال الفيء لا من جهة الصدقة .

فإن قيل فقد يجوز أن يأخذ الغني عمالته منها ، وإن لم تحل له الصدقة فكذلك بنو هاشم . قيل له : لأن الغني من أهل هذه الصدقة لو افتقر أخذ منها ، والهاشمي لا يأخذ منها بحال فإن قيل : إن العامل لا يأخذ عمالته صدقة ، وإنما يأخذ أجرة لعمله كما روي أن بريرة كانت تهدي للنبي صلى الله عليه وسلم مما يتصدق به عليها ، ويقول صلى الله عليه وسلم : هي لها صدقة ولنا هدية . قيل له : الفصل بينهما أن الصدقة كانت تحصل في ملك بريرة ثم تهديها للنبي صلى الله عليه وسلم فكان بين ملك المتصدق وبين ملك النبي [ ص: 338 ] صلى الله عليه وسلم واسطة ملك آخر ، وليس بين ملك المأخوذ منه وبين ملك العامل واسطة ؛ لأنها لا تحصل في ملك الفقراء حتى يأخذها العامل

التالي السابق


الخدمات العلمية