صفحة جزء
قوله تعالى : وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم فيه دلالة على أن من اشترى شيئا من المكيلات مكايلة أو من الموزونات موازنة واجب عليه أن لا يأخذ المشترى كيلا إلا بكيل ولا المشترى وزنا إلا بوزن ، وأنه غير جائز له أن يأخذه مجازفة ، وفي ذلك دليل على أن الاعتبار في تحريم التفاضل هو بالكيل والوزن ؛ إذ [ ص: 28 ] لم يخصص إيجاب الكيل في المكيل وإيجاب الوزن في الموزون بالمأكول منه دون غيره ، فوجب أن يكون سائر المكيلات والموزونات إذا اشترى بعضها ببعض من جنس واحد أنه غير جائز أخذه مجازفة إلا بكيل سواء كان مأكولا أو غير مأكول نحو الجص والنورة وفي الموزون نحو الحديد والرصاص وسائر الموزونات . وفيه الدلالة على جواز الاجتهاد وأن كل مجتهد مصيب لأن إيفاء الكيل والوزن لا سبيل لنا إليه إلا من طريق الاجتهاد وغلبة الظن ، ألا ترى أنه لا يمكن أحدا أن يدعي إذا كان لغيره القطع بأنه لا يزيد حبة ولا ينقص وإنما مرجعه في إيفاء حقه إلى غلبة ظنه ؟ ولما كان الكائل والوازن مصيبا لحكم الله تعالى إذا فعل ذلك ولم يكلف إصابة حقيقة المقدار عند الله تعالى كان كذلك حكم مسائل الاجتهاد . وقيل في القسطاس إنه الميزان صغر أو كبر . وقال الحسن : هو القبان . ولما ذكرنا من المعنى في المكيل والموزون قال أصحابنا فيمن له على آخر شيء من المكيل أو الموزون : إنه غير جائز له أن يقبضه مجازفة إن تراضيا وظاهر الأمر بالكيل والوزن يوجب أن لا يجوز تركهما بتراضيهما ، وكذلك لا تجوز قسمتهما إذا كان بين شريكين مجازفة للعلة التي ذكرنا ، ولو كانت ثيابا أو عروضا من غير المكيل والموزون جاز أن يقبضه مجازفة بتراضيهما وجاز أن يقتسما مجازفة ؛ إذ لم يوجد علينا فيه إيفاء الكيل والوزن .

التالي السابق


الخدمات العلمية