صفحة جزء
ولما كان عاد بعدهم ، ولم يكن هنا ما يقتضي تشويش الترتيب ، أتبعهم بهم مقدما المرسل إليه ليفيد تخصيص رسالته بهم وهم بعض أهل الأرض ، فقال : وإلى عاد خاصة أرسلنا أخاهم أي : في النسب لأنهم عنه أفهم وبحاله في الثقة والأمانة أعرف. ولما عطفه على نوح - عليهما السلام - بعد تقديم المرسل إليهم بينه بقوله : هودا بخلاف قوم نوح فإنهم كانوا جميع أهل الأرض ؛ لأن القبائل لم تكن فرقت الناس ولا الألسنة إذ كان لسان الكل واحدا ، ولم تفرق الألسنة إلا بعد الصرح ؛ ولهذا عم الغرق جميع أهل الأرض ، فكان المعنى حينئذ لا يختلف في قصته بتقديم ولا تأخير ، فناسب تقديم الرسالة أو المرسل لأنه أهم .

ولما كانت قصة نوح - عليه السلام - أول قصص الأنبياء مع قومهم ، ولم يكن للعرب عهد بمجاورات الأنبياء ومن يرسلون إليه ، فأتى فيها [ ص: 434 ] بالأصل (أرسلناه) فقال سياقا واحدا إخبارا لمن هو فارغ الذهن من كل جزء من أجزائها; أتت قصة هود - عليه السلام - بعد علم السامعين بقصة نوح - عليه السلام - مما وقع من تبليغه لهم وردهم عليه ، فلما ذكر إرساله تشوف السامع إلى أنه هل قال لهم كما قال نوح وهل ردوا عليه كرد قومه أو كان الأمر بخلاف ذلك؟ فأجيب سؤال المتشوف بقوله : قال كقول نوح - عليه السلام - سواء يا قوم مذكرا لهم بأنه أحدهم يهمه ما يهمهم اعبدوا الله أي : لاستحقاقه ذلك لذاته ، ثم علل أو استأنف بقوله : ما لكم وأغرق في النفي فقال : من إله غيره ولما كانوا عارفين بما أصاب قوم نوح قال : أفلا تتقون أي : أفلا تجعلون بينكم وبين عذاب هذا الواحد الجبار وقاية .

التالي السابق


الخدمات العلمية