صفحة جزء
ولما كان كأنه قيل : هذا التقريع يوجب غاية الاستحياء ، بل إنه [ ص: 456 ] يذهب كل من سمعه منهم إلى مكان لا يعرف فيه سترا لحاله ، فيا ليت شعري ما كان حالهم عنده! فقيل : كان كأنهم أجابوه بوقاحة عظيمة وفجور زائد على الحد ، فما كان جوابهم إلا أذى لوط - عليه السلام - وآله بما استحقوا منهم به شديد الإنذار الذي هو مقصود السورة - عطف عليه قوله : وما كان جواب قومه أي : الذين هم أهل قوة شديدة وعزم عظيم وقدرة على القيام بما يحاولونه إلا أن قالوا

ولما كان المقصود بيان أنهم أسرعوا إجابته بما ينكيه أضمر ما لا يشكل بالإضمار ، [أو أنه لما كان السياق لبيان الخبيث بين أنه لا أخبث من هؤلاء الذين بلغ من رذالتهم أنهم عدوا الطاهرين المتطهرين مما يصان اللسان عن ذكره] فقال تعالى مشيرا إلى ذلك في حكاية قولهم : أخرجوهم أي : المحدث عنهم ، وهم لوط ومن انضم إليه من قريتكم والمراد ببيان الإسراع في هذا تسلية النبي - صلى الله عليه وسلم - من رد قومه لكلامه لئلا يكون في صدره حرج من إنذارهم ، ثم عللوا إخراجهم بقولهم : إنهم أناس أي : ضعفاء يتطهرون وكأنهم قصدوا بالتفعل نسبتهم إلى محبة هذا الفعل القبيح ، وأن تركهم له إنما هو تصنع وتكليف لنفوسهم بردها عما هي مائلة إليه ، وإقبال على الطهر من غير وجهة وإظهار له رياء بما أشار إليه إظهار تاء [ ص: 457 ] التفعيل ، وفيه - مع ذلك - حرف من السخرية ، وحصر جوابهم في هذا المعنى المؤدي بهذا اللفظ لا ينافي آية (العنكبوت) القائلة : فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله ؛ لأن إطلاق الجواب على هذا يجوز ، والمعنى : فما كان قولهم - في جوابه - إلا إتيانهم بما لا يصلح جوابا ، وذلك مضمون هذا القول وغيره مما لا يتعلق بالجواب ، أو أن هذا الجواب لما كان - لما فيه من التكذيب والإيذان بالإصرار والإغلاظ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مستلزما للعذاب ، كانوا كأنهم نطقوا به فقالوا ائتنا بعذاب الله جعل نطقهم بالسبب نطقا بالمسبب ، أو أنهم استعملوا لكل مقام مقالا ، ويؤيده أن المعنى لما اتحد هنا وفي النمل حصر الجواب في هذا ، أي : فما كان جوابهم لهذا القول إلا هذا; ولما زادهم في (العنكبوت) في التقريع فقال : أإنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر أتوه بأبلغ من هذا تكذيبا واستهزاء ؛ فقالوا : ائتنا بعذاب الله - الآية .

التالي السابق


الخدمات العلمية