صفحة جزء
ثم كرر قوله: كدأب آل فرعون أي: فرعون وقومه؛ فإنهم أتباعه فلا يخيل أنهم يفعلون شيئا إلا وهو قائدهم فيه والذين من قبلهم لدقيقة؛ وهي أنه قد تقدم أنه [ما] من أمة إلا ابتليت بالضراء والسراء، فالأولى ينظر إليها مقام الإلهية الناظر إلى العظمة والكبرياء والقهر والانتقام، والثانية ثمرة مقام الربوبية الناشئ عنه التودد والرحمة والرأفة والإكرام؛ لذا عبر في الأولى باسم الذات الجامع لجميع الصفات الذي لفظه - عند من يقول باشتقاقه - موضوع لمعنى الإلهية إشارة إلى أنهم أعرضوا في حال الضراء عن التصديق وعاملوا بالتجلد والإصرار، ولذا عبر في هذه الثانية باسم الرب فقال: كذبوا أي: [ ص: 307 ] عنادا زيادة على تغطية ما دل عليه العقل بالتكذيب بالنقل، بآيات ربهم فأشار بذلك إلى بطرهم بالنعم وتكذيبهم أنها بسبب دعاء الرسل.

ولما أشار بالتعبير به إلى أنه غرهم معاملته بالعطف والإحسان، قال: فأهلكناهم أي: جميعا، بذنوبهم وأغرقنا فأتى بنون العظمة إشارة إلى أنه أتاهم بما أنساهم ذلك البر، آل فرعون وإشارة إلى أنهم نسوا أن الرب كما أنه يتصف بالرحمة فلا بد أن يتصف بالعظمة والنقمة وإلا لم تتم ربوبيته، وهذا واضح مما تقدم في الأعراف عن التوراة في شرح: فأرسلنا عليهم الطوفان إلى آخرها، من أن فرعون كان يسأل موسى عليه السلام عند كل نازلة الدعاء برفعها معتلا بأن الرب ذو حلم وأناة [و] رحمة، وقدم الأولى إشارة إلى أنهم بلغوا الغاية في الجرأة، والتعبير فيها ب: " كفروا " يؤيد لذلك، أي: أن مجرد الستر للآيات بالإعراض عنها كاف في إيجاب الانتقام ولو لم يصرح بتكذيب لعظم المقام، ومادة كفر - بأي ترتيب كان - تدور على الخلطة المميلة المحيلة، وبخصوص هذا الترتيب تدور على الستر، أي: غطوا التصديق بآيات ربهم، ويجوز – وهو الأحسن - أن يكون دورانها - مطلقا لا بقيد ترتيب - على الفكر، وهو إرسال عين البصيرة في طلب أمر ويلزمه [ ص: 308 ] الكشف والستر لأنه تارة يرفع أذيال الشبه عن ذلك الأمر فينجلي ويتحقق، وتارة يسلط قواطع الأدلة عليه فينعدم ويتمحق، وربما أرخى أذيال الشبه عليه فأخفى بعد أن كان جليا كما كان شمرها عنه فألقى وقد كان خفيا.

ولما أخبر سبحانه بهلاكهم، أخبر بالوصف الجامع لهم بالهلاك فقال: وكل أي من هؤلاء ومن تقدمهم من آل فرعون ومن قبلهم، كانوا أي: جبلة وطبعا ظالمين أي: لأنفسهم وغيرهم واضعين الآيات في غير مواضعها وهم يظنون بأنفسهم العدل;

التالي السابق


الخدمات العلمية