صفحة جزء
ولما كان من إمامته اتباع الناس له في حج البيت الذي شرفه الله ببنائه قال إثر ذلك ناعيا على أهل الكتاب مخالفته وترك دينه وموطئا لأمر القبلة : وإذ جعلنا البيت أي : الذي بناه إبراهيم بأم القرى مثابة للناس أي : مرجعا يرجعون إليه بكلياتهم . كلما تفرقوا عنه اشتاقوا إليه هم أو غيرهم آية على رجوعهم من الدنيا إلى ربهم . قال الحرالي : وهو مفعلة من الثوب وهو الرجوع تراميا إليه بالكلية . وفي صيغة المفعلة دوام المعاودة مثابرة وأمنا لكونه بيت الملك . [ ص: 153 ] من حرب الدنيا ومن عذاب الآخرة إلا في حق من استثناه الله من الكافرين فعلا بالشرك وقوة بالإلحاد ، والأمن براءة عيب من تطرق أذى إليه - قاله الحرالي . وقد كانوا في الجاهلية يرى الرجل قاتل أبيه في الحرم فلا يتعرض له . قال الأصبهاني : وهذا شيء توارثوه من زمن إسماعيل عليه السلام فقرأ عليه إلى أيام النبي صلى الله عليه وسلم ، فاليوم من أصاب في الحرم جريرة أقيم عليه الحد بالإجماع .

ولما كان التقدير : فتاب الناس عليه ائتماما ببانيه وآمنوا بدعوته فيه عطف عليه قوله : واتخذوا وعلى قراءة الأمر يكون التقدير : فتوبوا إليه أيها الناس ائتماما به واتخذوا من مقام إبراهيم خليلنا مصلى وهو مفعل لما تداوم فيه الصلاة ، ومقام إبراهيم هو الحجر الذي قام عليه حين جاء لزيارة ولده إسماعيل عليهما الصلاة والسلام فلم يجده ، فغسلت امرأة إسماعيل رأسه وهو معتمد برجله عليه وهو راكب ، غسلت شق رأسه [الأيمن ] وهو معتمد على الحجر برجله اليمنى ، ثم [ ص: 154 ] أدارت الحجر إلى الجانب الأيسر وغسلت شقه الأيسر ، فغاصت رجلاه فيه ; ولهذا أثر قدميه مختلف ، أصابع هذه عند عقب هذه ، وهو قبل أن يبني البيت - والله أعلم بمراده .

وعهدنا عطف على قوله " جعلنا " إلى إبراهيم الوفي وإسماعيل ابنه الصادق الوعد ، وفي ذكره إفصاح بإجابة دعوته فيه في قوله : ومن ذريتي وإشارة إلى أن في ذريته من يختم الأمم بأمته ويكون استقباله بيته في أجل العبادات من شرعته وأتم الإشارة بقوله : أن طهرا بيتي أي : عن كل رجس حسي ومعنوي ، فلا يفعل بحضرته شيء لا يليق في الشرع ; والبيت موضع المبيت المخصوص من الدار المخصوصة من المنزل المختص من البلد - قاله الحرالي . للطائفين به الذين فعلهم فعل العارف بأنه ليس وراء الله مرمى ولا مهرب منه إلا إليه والعاكفين فيه ، والعكوف الإقبال على الشيء وملازمته والاقتصار عليه ، والطواف التحليق بالشيء في غيب أو لمعنى غيب - قاله الحرالي . والركع السجود [ ص: 155 ] قال الحرالي : وفي ذكر الركوع تخصيص للعرب الذين إنما شرع الركوع في دينهم ، وفي ذلك تبكيت لمن أخرج المؤمنين ومنعهم من البيت ، وفي تكرير تفصيل هذه الآيات بإذ تنبيه على توبيخهم بترك دينه وهو الخليل واتباع من لا يعلم وهو العدو .

التالي السابق


الخدمات العلمية