صفحة جزء
ولما بين شرارتهم بعبادة غير الله وختم بتنزيهه وكماله، بين أن هذا الدين الباطل حادث، وبين نزاهته وكماله ببيان أن الناس كانوا أولا مجتمعين على طاعته ثم خالفوا أمره فلم يقطع إحسانه إليهم بل استمر [ ص: 93 ] في إمهالهم مع تماديهم في سوء أعمالهم ما سبق في علمه ومضى به قضاؤه فقال تعالى: \ وما كان الناس أي: كلهم مع ما لهم من الاضطراب إلا أمة ولما أفهم ذلك وحدتهم في القصد حققه وأكده فقال: واحدة [أي] حنفاء متفقين على طاعة الله فاختلفوا في ذلك على عهد نوح عليه السلام - كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما - عقب وحدتهم بسبب ما لهم من النوس فاستحق كافرهم تنجيز العقاب ولولا كلمة أي: عظيمة سبقت أي: في الأزل من ربك أي المحسن إليك برحمة أمتك بإمهالهم، وبين التأكيد بما دل على القسم لأجل إنكارهم أن يكون تأخيرهم لأجل ذلك فقال: لقضي بينهم أي: عاجلا بأيسر أمر فيما [ولما لم يبين الكلام على الاتخاذ الذي محط أمره معالجة بالباطن، لم يذكر الضمير بخلاف الزمر فقال]:فيه أي: لا في غيره بأن يعجل جزاءهم عليه: يختلفون وأشار ذلك إلى أن هذا الأمر الذي دعوا إليه ليس أمرا طارئا حادثا فيكون بحيث يتوقف فيه للنظر في عواقبه والتأمل في مصادره وموارده، بل هو - مع ظهور دلائله واستقامة مناهجه وصحة مذاهبه وإلقاء الفطر أزمة الانقياد إليه - أصل ما كان العباد عليه، وما هم فيه الآن هو الطارئ الحادث مع ظهور فساده ووضوح سقمه، وهو ناظر إلى قوله تعالى: أكان للناس عجبا لأن قوله: [ ص: 94 ] قال الكافرون إن هذا لساحر مبين دال على أنهم قسمان: كافر ومؤمن; والأمة: الجماعة على معنى واحد في خلق واحد كأنها تؤم - أي: تقصد - شيئا واحدا.

التالي السابق


الخدمات العلمية