صفحة جزء
[ ص: 356 ] ولما كان الحاصل ما دعاهم إليه ترك ما كان عليه آباؤهم من السفه في حق الخالق بالشرك والخلائق بالخيانة، وكان ذلك الترك عندهم قطيعة وسفها، كان ذلك محكا للعقول ومحزا للآراء يعرف به نافذها من جامدها، فكان كأنه قيل: ما قالوا؟ فقيل: قالوا يا شعيب سموه باسمه جفاء وغلظة وأنكروا عليه مستهزئين بصلاته: أصلاتك تأمرك أي: تفعل معك فعل [من] كان يأمر دائما بتكليفنا أن نترك ما يعبد أي: على سبيل المواظبة آباؤنا أو نترك أن نفعل أي: دائما في أموالنا ما نشاء من قطع الدرهم والدينار وإفساد المعاملة والمقامرة ونحوها مما يكون إفسادا للمال، يعنون أن ما تأمرنا به لا يمشي على منهاج العقل، فما يأمرك به إلا ما نراك تفعله من هذا الشيء الذي تسميه صلاة، أي أنه من وادي: فعلك للصلاة; ومادة صلا - واوية ويائية مهموزة وغير مهموزة بجميع تقاليبها - تدور على الوصلة، فالصلاة لصلة العبد بربه، وكذا الدعاء والاستغفار، وصلوات اليهود: كنائسهم اللاتي تجمعهم، والصلا: وسط الظهر ومجمعه وما حول الذنب أيضا، والمصلي من الخيل: التابع للسابق، وصال الفحل - إذا حمل على العانة، ولصوت الرجل ولصيته: عبته، كأنك ألصقت به العيب، والواصلة واضحة في ذلك، وكأنها الحقيقة التي تفرعت منها جميع معاني المادة، وسيأتي شرح ذلك عند قوله تعالى: بالغدو والآصال [ ص: 357 ] في سورة الرعد إن شاء الله، فمعنى الآية حينئذ: أما تعانيه من الصلوات: الحقيقية ذات الأركان، والمعنوية من الدعاء والاستغفار وجميع أفعال البر الحاملة على أنواع الوصل الناهية عن كل قطيعة تأمرك بمجاهرتنا لآبائنا بالقطيعة مع تقدير حضورهم ومشاهدتهم لما نفعل مما يخالف أغراضهم وبترك التنمية لأموالنا بالنقص وهو مع مخالفة أفعال الآباء تبذير؛ فهو سفه - فدارت شبهتهم في الأمرين على تقليد الآباء وتنزيههم عن الغلط لاحتمال أن يكون لأفعالهم \ وجه من الصواب خفي عنهم، وزادت في الأموال بظن التبذير - فقد صرت بدعائنا إلى كل من الأمرين حينئذ داعيا إلى ضد ما أنت متلبس به إنك إذا لأنت وحدك الحليم في رضاك بما يغضب منه ذوو الأرحام الرشيد في تضييع الأموال، يريدون بهذا كما زعموا - سلخه من كل ما هو متصف به دونهم من هاتين الصفتين الفائقتين بما خيل إليهم سفههم أنه دليل عليه قاطع، وعنوا بذلك نسبته إلى السفه والغي على طريق التهكم.

التالي السابق


الخدمات العلمية