صفحة جزء
ولما كان الصبر لله على المكاره أعلى الطاعة، أتبع ذلك قوله: واصبر أي: ليكن منك صبر على الطاعات وعن المعاصي ولا تترك إنذارهم بما أمرت به مهما كان ولا تخفهم، فإن العاقبة لك إذا فعلت; ولما كان مقام الصبر صعبا والاستقامة على المحمود منه خاصة خطرا، وكانت النفس - لما لها من الجزع في كثير من الأحوال - كالمنكرة، أكد قوله: فإن الصبر هو الإحسان كل الإحسان وإن الله أي المحيط بصفات الكمال لا يضيع أي: بوجه من الوجوه أجر المحسنين أي العريقين في وصف الإحسان بحيث إنهم يعبدون الله كأنهم يرونه، فلذلك يهون عليهم الصبر، ولذلك لأن الطاعة كلفة فلا تكون إلا بالصبر، وكل ما عداها فهو هوى النفس لا صبر فيه، فالدين كله صبر " حفت الجنة بالمكاره والنار بالشهوات " ولذا فضل ثواب الصابر إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب والصبر المحمود: حبس النفس عن [ ص: 397 ] الخروج إلى ما لا يجوز من ترك الحق، ونقيضه الجزع، قال الشاعر:


إن تصبرا فالصبر خير مغبة وإن تجزعا فالأمر ما تريان

وهو من الصبر الذي هو المر المعروف لأنه تجرع مرارة الحق بحبس النفس عن الخروج إلى المشتهى مع الزاجر المعتبر من الشرع والعقل، فهو أكره شيء إلى النفس، والمعين عليه ما في استشعار لزوم الحق من العز والأجر بالطاعة والعلم بما يعقب من الخير في كل وجه وعادة النفس له، وقد غلب إطلاقه على الحق حتى لا يجوز إطلاقه إلا فيه - قاله الرماني .

التالي السابق


الخدمات العلمية