صفحة جزء
ولما توعدهم على تفريطهم في جانب الله، تشوفت النفس إلى ما لأضدادهم، فكان كأنه قيل: فما لمن عاداهم في الله؟ فقيل: الجنة، فكأنه قيل: وما هي؟ فقيل: إنها في الجلال، وعلو الجمال، وكرم الخلال، مما تعالى عن المنال، إلا بضرب الأمثال، فقيل: ما مثلها؟ فقيل: مثل الجنة التي ولما كان المقصود حصول الوعد الصادق ولا سيما وقد علم أن الوعد هو الله، بنى للمفعول قوله: وعد المتقون والخبر محذوف تقديره: ما أقص عليكم، وهو أنها بساتين: قصور وأشجار، [ ص: 354 ] فقال الزجاج : الخبر جنة مخبر عنها بما ذكر ليكون تمثيلا لما غاب عنا بما نشاهد تجري ولما كانت - لو عمها الماء الجاري - بحرا لا بساتين، أدخل الجار للدلالة على أنه خاص ببعض أرضيها فقال: من تحتها أي قصورها وأشجارها الأنهار وقيل: هذا المذكور هو الخبر كما تقول: صفة زيد أسمر.

ولما كان هذا ريا حقيقيا في أرض هي في غاية الخلوص والطيب، كان سببا لدوام ثمرها واستمساك ورقها، فلذلك أتبعه قوله: أكلها أي ثمرها الذي يؤكل دائم لا ينقطع أبدا وظلها ليس كما في الدنيا، لا ينسخ بشمس ولا غيرها، قال أبو حيان : تقول: مثلت الشيء - إذا وصفته وقربته للفهم، وليس هذا ضرب مثل، فهو كقوله ولله المثل الأعلى أي الصفة العليا - كذا قال، ويمكن أن يكون ذلك حقيقة، ويكون هناك محذوف، وهو جنة من جنان الدنيا تجري من تحتها الأنهار - إلى آخره، وهو من قول الزجاج .

ثم ابتدأ إخبارا آخر تعظيما لشأنها وتفخيما لأمرها في قوله تعالى.

[ ص: 355 ] تلك أي الجنة العالية الأوصاف عقبى أي آخر أمر الذين اتقوا ثم كرر الوعيد للكافرين فقال: وعقبى أي منتهى أمر الكافرين بالرحمن، المتضمن للكفر [بالوحي] والموحى إليه النار

التالي السابق


الخدمات العلمية