صفحة جزء
ولما حرم الاعتداء صرح بإباحة أصل القتال فقال: واقتلوهم أي الذين يقاتلونكم حيث ثقفتموهم أي وجدتموهم وأنتم تطمعون [ ص: 109 ] في أن تغلبوا أو حيث تمكنتم من قتلهم - قاله الأصبهاني ، لأنه من ثقف بالضم ثقافة إذا صلب وثقف أي بالكسر كذلك، وأيضا صار حاذقا فطنا، وثقفت الشيء ثقفا إذا أخذته والشيء صادفته - قاله ابن القطاع .

وقال الأصبهاني : والثقف وجوده على وجه الأخذ والغلبة، وأطلق الوجدان فشمل الحل والحرم من الزمان والمكان لأنهم كذلك يفعلون بالمسلمين، كانوا يؤذونهم ويفتنونهم عند البيت في [ ص: 110 ] كل وقت; وفي التعبير بالفعل ما يشعر بالنصر بحزب الله وبشرى بضعف العدو عن مداومة المقاومة للمجاهدين وقد ظهرت التجربة مثل ذلك وأقله أنهم إذا فروا لم يكروا.

ولما كانت الآية ناظرة إلى قصاص قال: وأخرجوهم أي فإن لم يقاتلوكم من حيث أخرجوكم أي مكة التي هي موطن الحج والعمرة ومحل الشعائر المقصودة لأهل الإسلام.

ولما كان هذا مشعرا بأنهم لم يكن منهم إليهم قتال في مكة لغير الأذى المحوج إلى الخروج من الديار على أن التقدير: فإن الإخراج من السكن أشد فتنة وقد فتنوكم به، فعطف عليه قوله: والفتنة أي العذاب بالإخراج أو غيره من أنواع الإخافة أشد تليينهم للإسلام من القتل أعم من أن يكون المراد من قتلكم إياهم في الحرم أو غيره أو قتلهم إياكم أو غير ذلك لما فيه [ ص: 111 ] من مواصلة الغم القابض للنفس عن مراداتها، فلذلك سوغنا لكم قتلهم قصاصا بسبب إخراجكم، فكان المراد بالذات إخراجهم لتمكن الحج والاعتمار ولكنه لما لم يمكن إلا بقتالهم وقتلهم أذن فيهما وقد كشف الواقع في أمر: عكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية وعبد الله بن أبي ربيعة أن الإخراج من مكة لينهم للإسلام أكثر من تليين القتل فإنهم أسلموا لما أشرفوا على فراق مكة بظهور الإسلام فيها ولم يسلم أحد من قريش خوفا من القتل، فلكون السياق لإخراجهم عبر هنا أشد.

ولما كان الإذن في الإخراج مستلزما في العادة للقتال وكان قد أذن في الابتداء به حيث ثقفوا خصص ذلك فقال ناظرا إلى المقاصة أيضا ومشيرا إلى ما سيقع في غزوة الفتح المشار إليها بقوله بعد وكفر به والمسجد الحرام ولا تقاتلوهم أي هؤلاء الذين أذن لكم في إخراجهم عند المسجد الحرام أي الحرم إذا أردتم إخراجهم فمانعوكم حتى يقاتلوكم فيه أي في ذلك الموضع الذي هو عند المسجد، [ ص: 112 ] وكأنه عبر بفيه في الثاني وعند في الأول والمراد الحرم في كل منهما كفا، عن القتال فيه مهما وجد إلى الكف سبيل تعظيما له وإجلالا لمحله لأنه موضع للصلاة التي أعظم مقاصدها السجود لا لغيره فضلا عن القتال.

فإن قاتلوكم أي في ذلك المكان فاقتلوهم أي لا تقصروا على مدافعتهم بل اصدقوهم في الضرب المجهز ولا حرج عليكم من جهة المسجد فإن الانتهاك لحرمته منسوب إلى البادئ، وفي التعبير بالفعل في جواب المفاعلة في قراءة الجمهور أو الفعل في قراءة حمزة والكسائي بشارة بنصرة المبغي عليه وقوة إدالته، ولما كان هذا مفهما أنه خاص بهم عمم بقوله: كذلك أي مثل هذا الفعل العظيم الجدوى جزاء الكافرين كلهم.

التالي السابق


الخدمات العلمية