صفحة جزء
ولما أمر ونهى؛ وخوف من العذاب في القيامة؛ وكان ربما ظن من لا علم له - وهم الأكثر - من كثرة التصريح بالحوالة على القيامة نقص القدرة في هذه الدار؛ صرح بنفي ذلك بقوله (تعالى): ولو شاء الله ؛ أي: الملك الأعلى الذي لا أمر لأحد معه؛ أن يجعلكم أمة واحدة لا خلاف بينكم في أصول الدين؛ ولا فروعه؛ لجعلكم أمة واحدة ؛ متفقة على أمر واحد؛ لا تؤم غيره؛ منفيا عنها أسباب الخلاف؛ ولكن ؛ لم يشأ ذلك؛ وشاء اختلافكم؛ فهو يضل من يشاء ؛ عدلا منه؛ لأنه تام الملك؛ عام الملك؛ ولو كان الذي أضله على أحسن الحالات؛ ويهدي ؛ بفضله؛ من يشاء ؛ ولو كان على أخس الأحوال؛ [ ص: 245 ] فبذلك يكونون مختلفين في المقاصد؛ يؤم هذا غير ما يؤمه هذا؛ فيأتي الخلاف؛ مع تأدية العقل إلى أن الاجتماع خير من الافتراق؛ فالاختلاف؛ مع هذا؛ من قدرته الباهرة.

ولما تقرر بهذا أن الكل فعله وحده؛ فلا فعل لغيره أصلا؛ كان ربما أوقع في الوهم أنه لا حرج على أحد في شيء يفعله؛ بين أن السؤال يكون عن المباشرة ظاهرا على ما يتعارف الناس في إسناد الفعل إلى من ظهر اكتسابه له؛ فقال (تعالى) - مرغبا؛ مرهبا؛ مؤكدا لإنكارهم البعث؛ فضلا عما ينشأ عنه -: ولتسألن عما كنتم ؛ أي: كونا أنتم مجبولون عليه؛ تعملون ؛ وإن دق؛ فيجازي كلا منكم على عمله؛ وإن كان غنيا عن السؤال؛ فهو بكل شيء عليم.

التالي السابق


الخدمات العلمية