صفحة جزء
ولما ذكر - سبحانه - ما لكلامه من الدعاء إلى الأقوم؛ [ ص: 383 ] أتبعه ما عليه الإنسان من العوج؛ الداعي له إلى العدول عن التمسك بشرائعه القويمة؛ والإقدام على ما لا فائدة فيه؛ تنبيها على ما يجب عليه من التأني؛ للنظر فيما يدعو إليه نفسه؛ ووزنه بمعيار الشرع؛ فقال (تعالى): ويدع ؛ حذف واوه - الذي هو لام الفعل - خطأ في جميع المصاحف؛ ولا موجب لحذفه لفظا في العربية - مشير إلى أنه يدعو بالشر؛ لسفهه؛ وقلة عقله؛ وهو لا يريد علو الشر عليه - بما أشير إليه بحذف ما معناه عند أهل الله الرفعة والعلو -؛ وإلى أن غاية فعله الهلاك؛ إلى أن يتداركه الله؛ وقد ذكرت حكم الوقف عليه؛ وعلى أمثاله في سورة "القمر"؛ الإنسان ؛ أي: عند الغضب؛ ونحوه؛ على نفسه وعلى من يحبه؛ لما له من الأنس بنفسه؛ والنسيان لما يصلحه؛ بالشر ؛ أي: ينادي ربه ويتضرع إليه بسبب إيقاع الشر به؛ دعاءه ؛ أي: مثل دعائه بالخير ؛ أي: بحصول الخير له؛ ولمن يحبه; ثم نبه على الطبع الذي هو منبع ذلك؛ فقال (تعالى): وكان الإنسان ؛ أي: هذا النوع؛ بما له من قلة التدبر؛ لاشتغاله بالنظر في عطفيته؛ والأنس بنفسه؛ كونا هو مجبول عليه؛ عجولا ؛ أي: مبالغا في العجلة؛ يتسرع إلى طلب كل ما يقع في [ ص: 384 ] قلبه؛ ويخطر بباله؛ من غير أن يتأنى فيه تأني المتبصر الذي لا يريد أن يوقع شيئا إلا في أتم مواقعه؛ ولذلك يستعجل العذاب لنفسه استهزاء؛ ولغيره استشفاء; والعجلة: طلب الشيء في غير وقته الذي لا يجوز تقديمه عليه؛ وأما السرعة فهي عمله في أول وقته الذي هو أولى به.

التالي السابق


الخدمات العلمية