صفحة جزء
ولما بين أنهم استمالوه بالرفق؛ حتى كادوا - لولا العصمة - أن يميلوه؛ دل على أنهم أخافوه بعد ذلك؛ حتى كادوا أن يخرجوه من وطنه قبل الإذن الخاص بالهجرة؛ فقال (تعالى): وإن ؛ أي: وإنهم كادوا ؛ أي: الأعداء؛ ليستفزونك ؛ أي: يستخفونك بكثرة الأذى؛ الذي من شأنه ذلك؛ فيما جرت به العوائد؛ من الأرض ؛ أي: المكية؛ التي هي الأرض كلها؛ لأنها أمها؛ ليخرجوك منها ؛ مع أن وجودك عندهم رحمة لهم؛ فلا أعمى منهم؛ وأصل "الفز": القطع بشدة؛ قاله الرماني؛ وإذا ؛ أي: وإذا أخرجوك؛ لا يلبثون خلافك ؛ أي: بعد إخراجك؛ لو أخرجوك؛ إلا قليلا ؛ وسيعلمون إذا أذنا لك في النزوح كيف نصب عليهم العذاب؛ بعد خروجك بقليل؛ برمحك الطويل؛ وسيفك الصقيل؛ وسيوف أتباعك المؤمنين؛ لثبوت هذا الدين؛ وقد حقق الله - سبحانه - هذا الوعيد؛ بقتل صناديدهم في غزوة [ ص: 490 ] "بدر"؛ في رمضان؛ من السنة الثانية من الهجرة؛ بعد ثمانية عشر شهرا من مهاجرته - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -؛ وحرم على المشركين الذين أخرجوه - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - من مكة المشرفة؛ الدخول إليها؛ والإقامة في حريمها من جزيرة العرب؛ إكراما له - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -؛ وانتقاما ممن يعتقد شيئا من كفر من أخرجوه; ورفع "يلبثون"؛ لأن "إذا"؛ إذا وقعت بعد الواو؛ والفاء؛ جاز فيها الإلغاء؛ لأنها متوسطة في الكلام؛ كما أنه لا بد من أن تلغى في آخر الكلام؛ وفي الآية بيان لأن الجاهل لا يزال ينصب للعالم الحبائل؛ ويطلب له الغوائل؛ فيعود ذلك عليه بالوبال؛ في الحال؛ والمآل.

التالي السابق


الخدمات العلمية