صفحة جزء
لما ختمت تلك بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالحمد عن التنزه عن صفات النقص لكونه أعلم الخلق بذلك، بدئت هذه بالإخبار باستحقاقه سبحانه الحمد على صفات الكمال التي منها البراءة عن كل نقص، منبها بذلك على وجوب حمده بما شرع من الدين على هذا الوجه الأحكم بهذا الكتاب القيم الذي خضعت لجلاله العلماء الأقدمون، وعجز عن معارضته الأولون والآخرون، الذي هو الدليل على ما ختمت به تلك من العظمة والكمال، والتنزه والجلال، فقال ملقنا لعباده حمده، معلما لهم كيف يثنون عليه، مفقها لهم في اختلاف العبارات باختلاف المقامات: الحمد أي الإحاطة بصفات الكمال "لله" أي المستحق لذلك لذاته.

ولما أخبر باستحقاقه ذلك لذاته، أخبر بأنه يستحقه أيضا لصفاته وأفعاله، فقال تعالى: الذي ولما كان المراد وصف جملة الكتاب [ ص: 3 ] بالإعجاز من غير نظر إلى التفريق والتدريج، عبر بالإنزال دون التنزيل فقال: أنـزل وعدل عن الخطاب بأن يقول: عليك، كما يقول: فلعلك باخع نفسك، كما في ذلك من الوصف بالعبودية والإضافة إليه سبحانه من الإعلام بتشريفه صلى الله عليه وعلى آله وسلم والتنبيه على علة تخصيصه بالإنزال عليه كما تقدم في [سورة البقرة]، فقال- مقدما له على المنزل لأن المراد الدلالة على صحة رسالته بما لا يحتاج فيه قريش إلى سؤال اليهود ولا غيرهم من تخصيصه بما لا يقدر عليه غيره-: "على عبده" وإشارة إلى أنه الذي أسرى به إلى حضارات مجده ليريه من آياته "الكتاب" الجامع لمعاني الكتب المشار إليه في آخر التي قبلها بما أشير إليه من العظمة كما آتى موسى التوراة الآمرة بالعدل في الأحكام، وداود الزبور الحادي إلى الزهد والإحسان، على ما أشير إليه في "سبحان".

ولما كان الجامع لا يخلو من عوج أو قابلية له إلا أن كان من علام الغيوب، نفى القابلية والإمكان دلالة على أنه من عنده لينتفي [العوج-7] بطريق الأولى فقال تعالى: ولم أي والحال [أنه لم 7] يجعل له ولم يقل: فيه عوجا أي شيئا من عوج، أي بل هو مستقيم في جميع معانيه من غير اختلاف أصلا، هاد إلى كل [ ص: 4 ] صواب، لأن العوج - بالكسر: فقد الاستقامة في المعاني، وبالفتح في الأعيان;

التالي السابق


الخدمات العلمية