صفحة جزء
ولما أتم المثل لدنياهم الخاصة [بهم التي -] أبطرتهم، فكانت سبب إشقائهم وهم يحسبون أنها عين إسعادهم ضرب لدار الدنيا العامة لجميع الناس في قلة بقائها وسرعة فنائها، وأن من تكبر بها كان أخس منها فقال تعالى: واضرب لهم أي لهؤلاء الكفار المغترين بالعرض الفاني، المفتخرين بكثرة الأموال والأولاد وعزة النفر مثل الحياة الدنيا أي التي صفتها - التي هم بها ناطقون - تدل على أن ضدها الأخرى، في ينوعها ونضرتها، واختلابها للنفوس ببهجتها، واستيلائها على الأهواء بزهرتها، واختداعها لذوي الشهوات بزينتها، ثم اضمحلالها وسرعة زوالها، أفرح ما كانوا بها، وأرغب ما كانوا [فيها -] مرة بعد أخرى، على مر الأيام و[كر-] الشهور، وتوالي الأعوام وتعاقب الدهور، بحيث نادت على نفسها بالتحذير منها والتنفير عنها للعاقل اللقن، والكيس الفطن، رغبة إلى الباقي الذي [ ص: 68 ] يدوم سروره، ويبقى نعيمه وحبوره، وذلك المثل كماء أنـزلناه بعظمتنا واقتدارنا بعد يبس الأرض وجفاف ما فيها وزواله، وبقلعه كما تشاهدونه واستئصاله، وقال: من السماء تنبيها على بليغ القدرة في إمساكه في العلو وإنزاله في وقت الحاجة على الوجه النافع فاختلط أي فتعقب وتسبب عن إنزاله أنه اختلط به نبات الأرض أي التراب الذي كان نباتا ارفت بطول العهد في بطنها، فاجتمع بالماء والتف وتكاثف، فهيأناه بالتخمير والصنع الذي لا يقدر عليه سوانا حتى أخرجناه من الأرض أخضر يهتز على ألوان مختلفة ومقادير متفاوتة ثم أيبسناه فأصبح هشيما أي يابسا مكسرا مفتتا تذروه أي تثيره وتفرقه وتذهب به الرياح حتى يصير عما قليل كأنه بقدرة الله تعالى لم يكن وكان الله أي المختص بصفات الكمال على كل شيء من ذلك وغيره إنشاء وإفناء وإعادة مقتدرا أزلا وأبدا، فلا تظنوا أن ما تشاهدونه من قدرته حادث.

التالي السابق


الخدمات العلمية