صفحة جزء
ثم أورد سبحانه وتعالى القصة على طريق الاستئناف على تقدير سؤال سائل عن كل كلام يرشد إليه ما قبله، وذلك أنه من المعلوم أن الطالب للشخص إذا لقيه كلمه، لكن لا يعرف عين ذلك الكلام فقال لمن كأنه سأل عن ذلك: قال له موسى طالبا منه على سبيل التأدب والتلطف بإظهار ذلك في قالب الاستئذان: هل أتبعك أي اتباعا بليغا حيث توجهت; والاتباع: الإتيان لمثل فعل الغير لمجرد كونه آتيا به; وبين أنه لا يطلب منه غير العلم بقوله: على أن تعلمني [ ص: 108 ] وزاد في التلطف بالإشارة إلى أنه لا يطلب جميع ما عنده ليطول عليه الزمان بل جوامع منه يسترشد بها إلى باقيه فقال: مما علمت وبناه للمفعول لعلم المخاطبين - لكونهم من الخلص - بأن الفاعل هو الله سبحانه وتعالى، وللإشارة إلى سهولة كل أمر على الله عز وجل رشدا أي علما يرشدني إلى الصواب فيما أقصده، ولا نقص في تعلم نبي من نبي حتى يدعى أن موسى هذا ليس موسى بن عمران عليه السلام فإنه قد ثبت كونه ابن عمران في الصحيح، وأتى صلى الله عليه وعلى آله وسلم في سؤاله [له -] بهذه الأنواع من الآداب والإبلاغ في التواضع لما هو عليه من الرسوخ في العلم، لأن كل من كانت إحاطته بالعلوم أكثر، كان علمه بما فيها من البهجة والسعادة أكثر، فكان طلبه لها أشد، فكان تعظيمه لأرباب العلوم أكمل.

التالي السابق


الخدمات العلمية