صفحة جزء
قال بعفة وديانة وقصد للخير: ما مكني

ولما كان لمكنته حالتان: إحداهما ظاهرة، وهي ما شوهد من فعله بعد وقوعه، وباطنة ولا يقع أحد عليها بحدس ولا توهم، لأنها مما لم يؤلف مثله، فلا يقع المتوسم عليه، قرأ ابن كثير بإظهار النون في "مكنني" وغيره بالإدغام، إشارة إليهما. ولما كان النظر إلى ما يقع المكنة [فيه -] أكثر، قدم ضميره فقال: فيه ربي أي المحسن إلي بما ترون من الأموال والرجال، والفهم في إتقان [ ص: 136 ] الأمور، والتوصل إلى جميع الممكن للمخلوق "خير" أي من خرجكم الذي تريدون بذله لمكنتي كما قال سليمان عليه السلام "فما آتاني الله خير مما آتاكم" فأعينوني بقوة أي آلات وعمال أتقوى بها في فعل ذلك، فإن أهل البلاد أخبر بما يصلح في هذا العمل من بلادهم وما معي إنما هو للقتال وما يكون من أسبابه، لا لمثل هذا أجعل بينكم أي بين ما تختصون به وبينهم ردما أي حاجزا حصينا موثقا بعضه فوق بعض، مع التلاصق المتلاحم الموجب لأن لا يميز بعضه من بعض وهو أعظم من السد; قال البغوي فحفر له الأساس حتى بلغ الماء [و -] جعل حشوه الصخر وطينه النحاس يذاب فيصب عليه فصار كأنه عرق من جبل تحت الأرض.

التالي السابق


الخدمات العلمية