1. الرئيسية
  2. نظم الدرر في تناسب الآيات والسور
  3. سورة البقرة
  4. قوله تعالى وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف
صفحة جزء
ولما نهى عن الضرار في العصمة وفي أثرها الذي هو العدة أتبعه النهي عما كان منه بعد انقضائها بالعضل من كل من يتصور منه عضل لكن لما كان نهي الأولياء إذا كانوا أزواجا نهيا لغيرهم بطريق الأولى أسنده إلى الأزواج وهم في غمارهم فقال: وإذا طلقتم أي أيها الأزواج، وأظهر ولم يضمر لأن المذكور هنا أعم من الأول فقال: النساء أي طلاق كان فبلغن أجلهن أي [ ص: 323 ] انقضت عدتهن فقد دل سياق الكلامين على اختلاف البلوغين - نقله الأصبهاني عن الشافعي يعني أن الأول دل على المشارفة للأمر بالإمساك وهذا على الحقيقة للنهي عن العضل فلا تعضلوهن أي تمنعوهن أيها الأولياء أزواجا كنتم أو غير أزواج، والعضل قال الحرالي هو أسوأ المنع، من عضلت الدجاجة إذا نشبت بيضتها فيها حتى تهلك - انتهى.

[ ص: 324 ] أن ينكحن أزواجهن أي الذين طلقوهن وغيرهم، وسموا أزواجا لمآل أمرهم إلى ذلك كما أن المطلقين سموا أزواجا بما كان، واستدل الشافعي رضي الله تعالى عنه ورحمه بها على أنه لا نكاح إلا بولي ، لأن التعبير بالعضل دال على المنع الشديد المعبر من الداء العضال، وإن عضل من غير كفوء جاز ولم تزوج منه ولو كانت المرأة تزوج نفسها لما كان إعياء ولا يثبت عضله الممنوع ليحصل عزله إلا إذا منع عند الحاكم وقد بينت ذلك السنة.

وهذه الآية من عجائب أمر الاحتباك طلقتم يفهم الأزواج من تعضلوهن [ ص: 325 ] و تعضلوهن يفهم الأولياء من طلقتم وقد بينت ذلك في كتابي الإدراك إذا تراضوا أي النساء والأزواج الأكفاء بما أفهمته الإضافة دون أن يقال: أزواجا لهن مثلا.

ولما كان الرضى ينبغي أن يكون على العدل أشار إليه بقوله: بينهم ولما كانا قد يتراضيان على ما لا ينبغي قيده بقوله: بالمعروف فإن تراضوا على غيره كما لو كان الزوج غير كفوء فأعضلوهن، وعرفه كما قال الحرالي لاجتماع معروفين منهما فكان مجموعهما المعروف التام وأما المنكر فوصف أحدهما - انتهى.

ولما ذكر الأحكام مبينا لحكمها فكان ذلك وعظا وكان أكثر الناس يظن أن الوعظ مغاير للأحكام أقبل على المختار للكمال فقال: ذلك الأمر العظيم يا أيها الرسول يوعظ أي يرقق به قلوب من كان والوعظ قال الحرالي إهزاز النفس بموعود الجزاء ووعيده - انتهى. فهو تهديد لمن تشق عليه الأحكام وهم الأكثر.

ولما كان من أتباعه صلى الله عليه وسلم من جاهد نفسه حتى صار أهلا لفهم الدقائق وإدراك الإشارات والرقائق فألقى كليته للسماع [ ص: 326 ] لحظه بقوله: منكم معلما أن الخطاب في الحقيقة لكل فاهم، وإنما قيد بهم لأنهم المنتفعون به الفاهمون له لما لهم من رقة القلوب الناشئة عن الإذعان لأن الخطاب وإن كان بالأحكام فهو وعظ يتضمن الترهيب كما يتضمن الترغيب ولما كان من الحكمة أن من لا ينتفع بشيء لا يقصد به أشار إلى ذلك بقوله: يؤمن بالله أي لما له من العظمة واليوم الآخر خوفا من الفضيحة فيه، وفي تسميته وعظا إفهام بأن من تجاوز حدا في غيره سلط عليه من يتجاوز فيه حدا.

قال الحرالي : لأن من فعل شيئا فعل به نحوه كأنه من عضل عن زوج عضل ولي آخر عنه حين يكون هو زوجا، ومن زنى زني به سيجزيهم وصفهم

فلما وقع ما هيجوا إليه من كمال الإصغاء قال مقبلا عليهم: ذلكم أي الأمر العظيم الشأن أزكى لكم أي أشد تنمية [ ص: 327 ] وتكثيرا وتنقية وتطهيرا بما يحصل منه بينكم من المودة والبركة من الله سبحانه وتعالى وأطهر للقلوب.

ولما كان وصف المتكلم بالعلم أدعى لقبول من دونه منه قال مظهرا ومعيدا للاسم الأعظم تعظيما للأمر:والله أي أشير إليكم بهذا والحال أن الملك الأعظم يعلم أي له هذا الوصف وأنتم لا تعلمون أي ليس لكم هذا الوصف بالذات لا في الحال ولا في الاستقبال لما أفهمه النفي بكلمة لا وصيغة الدوام.

التالي السابق


الخدمات العلمية