صفحة جزء
ولما كان لتوالي الإخبار بإهلاك هذه القرون ، وإبادة من ذكر من تلك الأمم ، من الرعب ما لا يبلغ وصفه ، ولا يمكن لغيره سبحانه شرحه ، قال تعالى مشيرا إليه تحذيرا من مثله : إن في ذلك أي : الأمر العظيم من الإنجاء المطرد لكل رسول ومن أطاعه ، والأخذ المطرد لمن عصاه في كل عصر بكل قطر ، بحيث لا يشذ من الفريقين إنسان قاص ولا دان لآية أي : لدلالة واضحة عظيمة على صدق الرسل وأن يكونوا جديرين بتصديق العباد لهم في جميع ما قالوا من البشائر والنذائر بأن الله تعالى يهلك من عصاه ، وينجي من والاه ، لأنه الفاعل المختار، لا مانع له ، ولا سيما أنت وأنت أعظمهم منزلة ، وأكرمهم رتبة ، ولا سيما وقد أتيت قومك بما لا يكون معه شك لو لم يكن لهم بك معرفة قبل ذلك ، فكيف وهم عارفون بأنك كنت قبل الرسالة أصدقهم [ ص: 93 ] لهجة ، وأعظمهم أمانة ، وأغزرهم عقلا ، وأوضحهم نبلا ، وأعلاهم همة ، وأبعدهم عن كل دنس –وإن قل- ساحة; ثم عجب من توقفهم في الإيمان مع ما عرفوا من صدق نبيهم وطهارة أخلاقه ، ووفور شفقته عليهم ، ولم يخافوا من مثل ما تحققوه من إهلاك هذه الأمم فقال : وما كان أكثرهم أي : أكثر قومك كما كان من قبلهم مع رؤية هذه الآيات ، وإحلال المثلات حتى لكأنهم تواصوا بذلك مؤمنين أي : عريقين في الإيمان ، بل ما يؤمنون إلا وهم مشركون.

التالي السابق


الخدمات العلمية