ولما دل أول الكلام وآخره على أن التقدير ما ذكرته ، وعلم منه أن من ظلم خاف ، وكان المرسلون بل 
الأنبياء معصومين عن صدور ظلم ، ولكنهم لعلو مقامهم ، وعظيم شأنهم ، يعد عليهم خلاف الأولى ، بل بعض المباحات المستوية ، بل أخص من ذلك ، كما قالوا : "حسنات الأبرار سيئات المقربين" استدرك سبحانه من ذلك بأداة الاستثناء ما يرغب المرهبين من عواقب الظلم آخر تلك في التوبة ، وينبه 
موسى  عليه السلام على غفران وكزة القبطي له وأنه لا خوف عليه بسببه وإن كان قتله مباحا لكونه خطأ مع أنه كافر ، لكن علو المقام يوجب التوقف عن الإقدام إلا بإذن خاص ، ولذلك سماه هو ظلما فقال : 
رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي وهو من التعريضات التي يلطف مأخذها  
[ ص: 136 ] فقال : 
إلا أو المعنى : لكن 
من ظلم كائنا من كان ، بفعل سوء 
ثم بدل بتوبته 
حسنا بعد سوء وهو الظلم الذي كان عمله ، أي : جعل الحسن بدل السوء كالسحرة الذين آمنوا بعد ذلك 
بموسى  عليه الصلاة والسلام فإني أغفره له بحيث يكون كأنه لم يعمله أصلا ، وأرحمه بما أسبغ عليه من ملابس الكرامة المقارنة للأمن والعز وإن أصابه قبل ذلك نوع خوف ، ثم علل ذلك بأن 
المغفرة والرحمة صفتان له ثابتتان ، فقال : 
فإني  [أي : أرحمه بسبب أني] 
غفور أي : من شأني أني أمحو الذنوب محوا يزيل جميع آثارها 
رحيم أعامل التائب منها معاملة الراحم البليغ الرحمة بما يقتضيه حاله من الكرامة ، فأزيل أثر ما كان وقع فيه من موجب الخوف وهو الظلم.