صفحة جزء
ولما أخبر بتهيئه لنبوته ، أخبر بما هو سبب لهجرته ، وكأنها سنت بعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام فقال : ودخل المدينة أي : مدينة فرعون آتيا من قصره ، لأنه كان عنده بمنزلة الولد ، قال ابن جرير : وهي مدينة منف من مصر ، وقال البغوي : وقيل : عين الشمس . وقيل غير ذلك على حين غفلة قيل بعيد : وقيل بغير ذلك من أهلها أي : إحكاما لما جعلناه سببا لنقلته منها طهارة من عشرة القوم الظالمين فوجد فيها أي : المدينة رجلين يقتتلان أي : يفعلان مقدمات القتل من الملازمة مع الخنق والضرب ، وهما إسرائيلي وقبطي ، ولذا قال مجيبا لمن كأنه يسأل عنهما وهو ينظر إليهما : هذا من شيعته أي : من بني إسرائيل قومه وهذا من عدوه أي : القبط ، وكان قد حصل لبني إسرائيل به عز لكونه ربيب الملك ، مع أن مرضعته منهم ، لا يظنون أن سبب ذلك الرضاع [ ص: 256 ] فاستغاثه أي : طلب منه الذي من شيعته أن يغيثه على الذي من عدوه فوكزه أي : فأجابه موسى فوكز أي : فطعن ودفع بيده العدو أو ضربه بجميع كفه ، وكأنه كالكم ، أو دفعه بأطراف أصابعه ، وهو رجل أيد لم يعط أحد من أهل ذلك الزمان مثل ما أعطي من القوى الذاتية والمعنوية فقضى أي : فأوقع القضاء الذي هو القضاء على الحقيقة ، وهو الموت الذي لا ينجو منه بشر عليه فقتله وفرغ منه وكل شيء فرغت منه فقد قضيته وقضيت عليه وخفي هذا على الناس لما هم فيه من الغفلة ، فلم يشعر به أحد منهم.

ولما كان كأنه قيل : إن هذا الأمر عظيم ، فما ترتب عليه من قول من أوتي حكما وعلما؟ أجيب بالإخبار عنه بأنه ندم عليه في الحال بقوله : قال أي : موسى عليه السلام : هذا أي : الفعل الذي جرك إليه الإسرائيلي من عمل الشيطان أي : لأني لم أومر به على الخصوص ، ولم يكن من قصدي وإن كان المقتول كافرا; ثم أخبر عن حال الشيطان بما هو عالم به ، مؤكدا له حملا لنفسه على شدة الاحتراس [ ص: 257 ] والحذر منه فقال : إنه عدو ومع كونه عدوا ينبغي الحذر منه فهو مضل لا يقود إلى خير أصلا ، ومع ذلك فهو مبين أي : عداوته وإضلاله في غاية البيان ، ما في شيء منهما خفاء.

التالي السابق


الخدمات العلمية