صفحة جزء
ذكر مضمون هذا من التوراة : قال في أول السفر الثاني منها : وهذه أسماء بني إسرائيل الذين دخلوا مصر مع يعقوب عليه السلام ، دخل كل امرئ وأهل بيته روبيل وشمعون ولاوي ويهوذا وإيساخار وزيلون وبنيامين ودان ونفتالي وجاد وأشير ، وكان عدد ولد [ ص: 273 ] يعقوب الذين خرجوا من صلبه سبعين نفسا مع يوسف عليه الصلاة والسلام الذي كان بمصر ، فتوفي يوسف وجميع إخوته وجميع ذلك الحقب ، وبنو إسرائيل نموا وولدوا وكثروا واعتزوا جدا جدا ، وامتلأت الأرض منهم ، فملك على مصر ملك جديد لم يكن يعرف يوسف فقال لشعبه : هذا شعب بني إسرائيل قد كثر عددهم فهم أكثر وأعز منا ، هلموا نحتال لهم قبل أن يكثروا ، لعل أعداءنا يأتونا يقاتلونا فيكونوا عونا ، لأعدائنا علينا فيخرجونا من الأرض ، فولى عليهم ولاة ذوي فظاظة وقساوة ليتعبدوهم ، وجعلوا يبنون قرى لأجران فرعون وأهرائه وفي نسخة : وبنوا لفرعون مدنا محصنة فيسترم في الفيوم وفي عين شمس ، وفي نسخة : فيثوم ورعمسيس ، وفي نسخة : وأكوان التي هي مدينة الشمس ، واشتد تعبدهم لهم ، وذلهم إياهم ، وكانوا يزدادون كثرة ويعتزون ، فاشتد غمهم وحزنهم بسبب بني إسرائيل ، وكان المصريون يتعبدون بني إسرائيل بشدة وقساوة ، ويمرون حياتهم بالكد والتعب الصعب الشديد بالطين وعمل اللبن وفي كل عمل الحقل ، وكان تعبدهم [ ص: 274 ] إياهم في جميع ما استعملوهم بالشدة والفظاظة والقسوة ، فقال ملك مصر : [وجعلنا] لقوابل العبرانيات التي تسمى إحداهما فوعا والأخرى شوفرا ، وأمرهما : إذا أنتما قبلتما العبرانيات فانظرا إذا سقط الولد ، فإن كان ذكرا فاقتلاه ، وإن كانت أنثى فاستبقياها فاتقت القابلتان الله ولم يفعلا ما أمرهما به ملك مصر ، وجعلتا تستحييان الغلمان ، فدعا ملك مصر القابلتين وقال لهما؟ ما بالكما؟ جاوزتما أمري وأحييتما الغلمان؟ فقالتا لفرعون : إن العبرانيات لسن كالمصريات لأنهن قوابل ، ويلدن قبل أن تدخل القابلة عليهن ، فأحسن الله إلى القابلتين لصنعهما هذا ، فكثر الشعب وعز جدا ، فلما اتقت القابلتان الله أنماهما وجعل لهما بنين ، وفي نسخة : بيوتا ، فأمر فرعون جميع قومه قائلا : كل غلام يولد لهم فألقوه في النهر ، وكل جارية تولد فاستبقوها ، فانطلق رجل من آل لاوي فتزوج إحدى بنات لاوي ، فحبلت المرأة فولدت ابنا فرأته حسنا جدا ، فغيبته ثلاثة أشهر ولم تقدر أن تغيبه أكثر من ذلك ، فأخذت تابوتا من خشب الصنوبر ، وطلته بالقار والزفت [ ص: 275 ] ووضعت فيه الغلام ووضعته في الضحضاح على شاطئ النهر ، وقامت أخته من بعيد لتنظر ما يكون من أمره ، فخرجت بنت فرعون تغتسل في النهر ، فنظرت إلى التابوت في المخاضة ، فأرسلت جواريها فأتوا به ففتحته فرأت الغلام ، فإذا هو يبكي فرحمته ، وقالت : هذا من بني العبرانيين ، فقالت أخته لابنة فرعون : هل لك أن أنطلق أدعو لك ظئرا من العبرانيات فترضع هذا الغلام؟ فقالت لها ابنة فرعون : نعم! انطلقي ، فانطلقت الفتاة ودعت أم الغلام ، فقالت لها ابنة فرعون : خذي هذا الصبي فأرضعيه وأنا أعطيك أجرتك ، فأخذت المرأة الغلام فأرضعته فشب الغلام فأتت به إلى ابنة فرعون فتبنته ، وسمته موسى لأنها قالت : إني انتشلته من الماء ، فلما كان بعد تلك الأيام نشأ موسى عليه السلام وخرج إلى إخوته فنظر إلى ذلهم ، فرأى رجلا مصريا يضرب رجلا عبرانيا من إخوته من بني إسرائيل ، فالتفت يمينا وشمالا فلم ير أحدا فقتل المصري ، فمات ودفنه في الرمل ، ثم خرج يوما آخر فإذا هو برجلين عبرانيين يصطحبان ، فقال للمسيء منهما : ما بالك؟ تضرب أخاك؟ فقال له : من جعلك علينا رئيسا وحاكما؟ لعلك تريد أن تقتلني كما قتلت المصري أمس؟ ففرق موسى وقال : حقا لقد فشا هذا الأمر ، فبلغ فرعون الأمر وأراد موسى ، فهرب موسى من فرعون وانطلق إلى أرض [ ص: 276 ] مدين ، وجلس على طوي الماء ، وكان لحبر مدين سبع بنات ، فكن يأتين فيدلن الماء فيملأن الحياض ليسقين غنم أبيهن ، وكان الرعاة يأتون فيطردونهن ، فقام موسى فخلصهن وأسقى غنمهن ، فأتين إلى رعوئيل أبيهن فقال لهن : ما بالكن؟ أسرعتن السقي اليوم؟ فقلن له : رجل مصري خلصنا من أيدي الرعاة ، فاستقى لنا الماء ، وسقى غنمنا ، فقال لبناته : وأين هو؟ لم تركتن الرجل ، انطلقن وادعونه فيأكل عندنا خبزا ، ففعلن ذلك ، فأعجب موسى أن ينزل على ذلك الرجل فزوجه صفورا ابنته فتزوجها فولدت له ابنا فسماه جرشون ، لأنه قال : إني صرت ساكنا في أرض غريبة. وولدت لموسى ابنا آخر ، فسماه اليعازار ، لأنه قال : إن إله آبائي خلصني من حرب فرعون . وقوله : إن المتخاصمين في اليوم الثاني عبرانيان ، إن أمكن تنزيل ما في القرآن عليه فذاك ، وإلا فهو مما بدلوه ، وقوله : إن بنات شعيب سبع لا يخالف ما في القرآن الكريم ، بل أيده الزمخشري بتعيينهما بقوله "هاتين" لكن تقدم ما يشير إلى أن ذلك غير لازم.

ولما كان من المعلوم أن التقدير : فلما التزم موسى عليه السلام [ ص: 277 ] زوجه ابنته كما شرط ، واستمر عنده حتى قضى ما عليه ، بنى عليه قوله : فلما قضى أي : وفى وأتم ، ونهى وأنفذ موسى صاحبه الأجل أي : الأوفى وهو العشر ، بأن وفى جميع ما شرط عليه من العمل ، فإنه ورد أنه قضى من الأجلين أوفاهما ، وتزوج من المرأتين صغراهما ، وهي التي جاءت فقالت : "يا أبت استأجره" روى الطبراني في الأوسط معناه عن أبي ذر رضي الله عنه مرفوعا ، والظاهر أنه مكث عنده بعد الأجل أيضا مدة ، لأنه عطف بالواو قوله : وسار ولم يجعله جوابا للما بأهله أي : امرأة راجعا إلى أقاربه بمصر آنس أي : أبصر من جانب الطور نارا آنسته رؤيتها وشرحته إنارتها ، وكان مضرورا إلى الدلالة على الطريق والاصطلاء بالنار.

ولما كان كأنه قيل : ماذا فعل عندما أبصرها قيل : قال لأهله ولما كان النساء أعظم ما ينبغي ستره ، أطلق عليها ضمير الذكور فقال : امكثوا وإن كان معه بنين له فهو على التغليب ، ثم علل ذلك بقوله مؤكدا ، لاستبعاد أن يكون في ذلك المكان القفر وفي ذلك [ ص: 278 ] الوقت الشديد البرد نار : إني آنست نارا فكأنه قيل : فماذا تعمل بها؟ فقال معبرا بالترجي لأنه أليق بالتواضع الذي هو مقصود السورة ، وهو الحقيقة في إدراك الآدميين في مثل هذا ، ولذا عبر بالجذوة التي مدار مادتها الثبات : لعلي آتيكم منها أي : من عندها بخبر ينفعنا في الدلالة على المقصد أو جذوة أي : عود غليظ من النار أي : متمكنة منه هذه الحقيقة أو التي تقدم ذكرها; ثم استأنف قوله : لعلكم تصطلون أي : لتكونوا على رجاء من أن تقربوا من النار فتنعطفوا عليها لتدفؤوا ، وهذا دليل على أن الوقت كان شتاء .

التالي السابق


الخدمات العلمية