صفحة جزء
ولما وصف الجاهلين، أتبعه صفة العلماء فقال: وقال الذين [و] عبر بقوله: أوتوا العلم تنبيها على شكر من آتاهموه، وبناه للمجهول إشارة إلى تسهيل أخذه عليهم من الجليل والحقير، وأتبعه ما لا يشرق أنواره ويبرز ثماره غيره، فقال: والإيمان إشارة إلى تفكرهم في جميع الآيات الواضحة والغامضة مقسمين كما أقسم أولئك محققين مقالهم مواجهين للمجرمين تبكيتا وتوبيخا مؤكدين ما أنكر أولئك: لقد لبثتم في كتاب الله أي في إخبار قضاء الذي له جميع الكمال الذي كتبه في كتابه الذي كان يخبر به الدنيا إلى يوم البعث كما قال تعالى: ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون وأما تعيين مدة اللبث فأخفاه عن عباده، ولما أعلم القرآن أن غاية البرزخ البعث، وصدق في إخباره، سببوا عن ذلك قوله: فهذا أي فتسبب ما كنا نقوله وتكذبوننا فيه، نقول لكم الآن حيث لا تقدرون على تكذيب: هذا يوم البعث [أي] الذي آمنا به وكنتم [ ص: 132 ] تنكرونه، قد كان طبق ما [كنا] نقوله لكم، فقد تبين بطلان قولكم، وكنتم تدعون الخلاص فيه بأنواع من التكاذيب قصدا للمغالبة، فما كنتم صانعين عند حضوره فاصنعوه الآن، تنبيها لهم على أنه لا فائدة في تحرير مقدار اللبث في الدنيا ولا في البرزخ، وإنما الفائدة في التصديق بما أخبر به الكتاب حيث كان التصديق نافعا. ولما كان التقدير: قد أتى كما كنا به عالمين، فلو كان لكم نوع من العلم لصدقتمونا في إخبارنا به فنفعكم ذلك الآن، عطف عليه قوله: ولكنكم كنتم أي كونا هو كالجبلة لكم في إنكاركم له لا تعلمون أي ليس لكم علم أصلا، لتفريطكم في طلب العلم من أبوابه، والتوصل إليه بأسبابه، فلذلك كذبتم به فاستوجبتم جزاء ذلك اليوم.

التالي السابق


الخدمات العلمية