صفحة جزء
ولما كان العلم الأزلي حاصلا بأن المجادلين في أمر عيسى عليه الصلاة والسلام يكفون عن المباهلة بعد المجادلة خوفا من الاستئصال في العاجلة مع الخزي الدائم في الآجلة، وكان كفهم عن ذلك موجبا للقطع بإبطالهم في دعواهم لكل من يشاهدهم أو يتصل به خبرهم، حسن كل الحسن تعقيب ذلك بقوله: - تنبيها على ما فيه من العظمة - إن هذا أي الذي تقدم ذكره من أمر عيسى عليه السلام وغيره لهو أي خاصة دون غيره مما يضاده القصص الحق والقصص - كما قال الحرالي - تتبع الوقائع بالإخبار عنها شيئا بعد شيء على ترتيبها، في معنى قص الأثر، وهو اتباعه حتى ينتهي إلى محل ذي الأثر. انتهى.

ولما بدأ سبحانه وتعالى القصة أول السورة بالإخبار بوحدانيته مستدلا على ذلك بأنه الحي القيوم صريحا ختمها بمثل ذلك إشارة وتلويحا فقال - عاطفا على ما أنتجه ما تقدم من أن عيسى صلى الله عليه وسلم عبد الله ورسوله معمما للحكم معرقا بزيادة الجار في النفي: وما من إله أي معبود بحق، لأن له صفات الكمال، فهو بحيث [ ص: 445 ] يضر وينفع إلا الله أي المحيط بصفات الكمال، لأنه الحي القيوم - كما مضى التصريح به، فاندرج في ذلك عيسى عليه الصلاة والسلام وغيره، وقد علم من هذا السياق أنهم لما علموا تفرده تركوا المباهلة رهبة منه سبحانه وتعالى علما منهم بأنهم له عاصون ولحقه مضيعون وأن ما يدعون إلهيته لا شيء في يده من الدفع عنهم ولا من النفع لهم، فلا برهان أقطع من هذا.

ولما كان في نفي العزة والحكمة عن غيره تعالى نوع خفاء أتى بالوصفين على طريق الحصر فقال - عاطفا على ما قدرته مما أرشد السياق إلى أنه علة ما قبله من نفي: وإن الله أي الملك الأعظم لهو أي وحده العزيز الحكيم وهذا بخلاف الحياة والقيومية فإنه لم يؤت بهما على طريق الحصر لظهورهما، وقد علم بلا شبهة بما علم من أنه لا عزيز ولا حكيم إلا هو أنه لا إله إلا هو.

التالي السابق


الخدمات العلمية