1. الرئيسية
  2. نظم الدرر في تناسب الآيات والسور
  3. سورة سبأ
  4. قوله تعالى أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض
صفحة جزء
ولما كانوا قد أنكروا الساعة لقطعهم بأن من مزق كل ممزق لا يمكن إعادته، فقطعوا جهلا بأن الله تعالى لا يقول ذلك، فنسبوا الصادق صلى الله عليه وسلم في الإخبار بذلك إلى أحد أمرين: تعمد الكذب أو الجنون. شرع سبحانه يدل على صدقه في جميع ما أخبر به، فبدأ بإثبات قدرته على ذلك مستندا إلى ضلالهم بسبب غفلتهم عن تدبر الآيات، فكان المعنى: ضلوا فلم يروا، فدل عليه منكرا عليهم مهددا لهم مقررا لذوي العقول من السامعين بقوله: أفلم يروا ونبه على أنهم في محل بعد عن الإبصار النافع بحرف النهاية فقال: إلى ما بين أيديهم أي أمامهم وما خلفهم وذلك إشارة إلى جميع الجوانب من كل من الخافقين [ ص: 454 ] وأنهما قد أحاطا بهم كغيرهم. ولما لم تدع حاجة إلى الجمع أفرد فقال: من السماء والأرض أي الذين جعلنا مطلع السورة أن لنا كل ما فيهما.

ولما كان الإنكار لائقا بمقام العظمة، فكان المعنى: إنا نفعل بهما وفيهما ما نشاء، عبر بقوله: إن نشأ بما لنا من العظمة - على قراءة الجمهور نخسف أي تغور بهم [وأدغم الكسائي إلى أنه سبحانه قد يفعل ذلك في أسرع من اللمح بحيث يدرك لأكثر الناس وقد يفعله على وجه الوضوح وهو أكثر - بما أشارت إليه قراءة الإظهار للجمهور. ولما كان الخسف قد يكون لسطح أو سفينة ونحوهما، خص الأمر بقوله]: الأرض أي كما فعلنا بقارون وذويه لأنه ليس نفوذ بعض أفعالنا فيها بأولى من غيره أو نسقط عليهم كسفا بفتح السين على قراءة حفص وبإسكانه على قراءة غيره أي قاطعا من السماء كذلك [ليكون شديد الوقع لبعد الموقع المدى عن السحاب ونحوه] لأن من المعلوم أنا نحن خلقناهما، ومن أوجد شيئا قدر على هذه وهذا ما أراد منه، ومن جعل السياق [ ص: 455 ] للغيب - وهو حمزة والكسائي - رد الضمير على الاسم الأعظم الذي جعله مطلع السورة.

ولما كان هذا أمرا ظاهرا، أنتج قوله مؤكدا لما لهم من إنكار البعث: إن في ذلك أي [في] قدرتنا على ما نشاء من كل منهما والتأمل في فنون تصاريفهما لآية أي علامة بينة على أنا نعامل من شئنا فيهما بالعدل بأي عذاب أردنا، ومن شئنا بالفضل بأي ثواب أردنا، وذلك دال على أنا قادرون على كل ما نشاء من الإماتة والإحياء وغيرهما، فقد خسفنا بقارون وآله وبقوم لوط وأشياعهم، وأسقطنا من السماء على أصحاب الأيكة يوم الظلة قطعا من النار، وعلى قوم لوط حجارة، فأهلكناهم بذلك أجمعين. ولما كانت الآيات لا تنفع من طبع على العناد قال تعالى: لكل عبد أي متحقق أنه مربوب ضعيف مسخر لما يراد منه منيب أي فيه قابلية الرجوع عما أبان له الدليل عن أنه زل فيه.

التالي السابق


الخدمات العلمية