صفحة جزء
ولما كانوا قد أنكروا البعث على ذلك الوجه الذي تقدم، ودل على قدرته عليه بما نصب من الأدلة التي شاهدوها من أفعاله بالبصر أو البصيرة إيجادا وإعداما، وأقام الحجة على صحة الدعوة وبطلان ما هم عليه، ثم تهددهم بالفصل يوم الجمع، وختم بصفة العلم المحيط المستلزم للقدرة الشاملة، وكانت القدرة لا تكون شاملة إلا عند الوحدانية، أمره بما يوجب لهم القطع بوحدانيته وشمول قدرته بقوله: قل أي لهؤلاء المشركين.

ولما كانت آلهتهم تسهل رؤيتها، وكان كل ما هو كذلك سافل المقدار عن هذه الرتبة، وكانت آلهتهم بالخصوص أدنى الأشياء عن ذلك بكونها من أخس الجمادات، نبه على ذلك وعلى أنها نكرة لا تعرف بقلب ولا تدل عليها فطرة زيادة في تبكيتهم بقوله: أروني الذين ولما لزم مما ثبت له سبحانه من صفات الكمال و [العلو] الذي لا يدانيه [ ص: 503 ] أحد بوجه قال: ألحقتم به ولما كان الإلحاق يقتضي ولا بد قصور الملحق عن الملحق به، أشار إلى فرط جهلهم بتسويتهم به بقوله: شركاء ثم نبه بعد إبطال قياسهم على أنهم في غاية الجلافة والجمود فهم كالأنعام بما قرعهم به من الرجز في قوله مؤكدا تكذيبا لهم في دعوى الشرك: كلا أي ارتدعوا وانزجروا فليس والله الأمر كما ذكرتم ولا قريب منه بل هو أي المعبود بالحق الذي لا يستحق أن يسمى هو غيره الله أي الذي اختص بالحمد في الأولى والآخرة العزيز أي الذي لا مثل له، وكل شيء محتاج إليه، وهو غالب على كل شيء غلبة لا يجد معها ذلك الشيء وجه مدافعة ولا انقلاب، ولا وصول لشيء إليه إلا بإذنه الحكيم أي المحكم لكل ما يفعله فلا يستطيع أحد نقض شيء [منه] فكيف يكون له شريك وأنتم ترون [له] من هاتين الصفتين المنافيتين لذلك وتعلمون عجز من أشركتموه به عن أن يساويكم مع ما تعلمون من عجزكم.

التالي السابق


الخدمات العلمية