صفحة جزء
ولما تضمن قولهم أمرين: ادعاء عراقتهم في الإجرام، وإنكار كونهم سببا فيه، أشار إلى ردهم للثاني بالعاطف على غير معطوف عليه إعلاما بأن التقدير: قال الذين استضعفوا: كذبتم فيما ادعيتم من عراقتنا في الإجرام: وقال الذين استضعفوا عطفا على هذا المقدر للذين استكبروا [ ص: 511 ] ردا لإنكارهم صدهم: بل الصاد لنا مكر الليل والنهار أي الواقع فيهما من مكركم بنا، أو استعير إسناد المكر إليهما لطول السلامة فيهما، وذلك للاتساع في الظرف في إجرائه مجرى المفعول به إذ تأمروننا على الاستمرار أن نكفر بالله أي الملك الأعظم بالاستمرار على ما كنا عليه قبل إتيان الرسل ونجعل له أندادا أي أمثالا نعبدهم من دونه وأسروا أي يرجعون والحال أن الفريقين أسروا الندامة لما أي حين رأوا العذاب لأنهم بينما هم في تلك المقاولة وهم يظنون أنها تغني عنهم شيئا وإذا بهم قد بدا لهم ما لم يكونوا يحتسبون فأبهتهم فلم يقدروا لفوات المقاصد وخسران النفوس أن نسبوا بكلمة، ولأجل أن العذاب عم الشريف منهم والوضيع. قال تعالى: وجعلنا الأغلال أي الجوامع التي تغل اليد إلى العنق في أعناق الذين كفروا فأظهر موضع الإضمار تصريحا بالمقصود وتنبيها على الوصف الذي أوجب لهم ذلك.

ولما كانت أعمالهم لقبحها ينبغي البراءة منها، فكانت بملازمتهم لها كأنها قد قهرتهم على ملازمتها وتقلدها طوق الحمامة [فهم يعاندون الحق من غير التفات إلى دليل] قال منبها على ذلك جوابا لمن كأنه [ ص: 512 ] قال: لم خصت أعناقهم وأيديهم بهذا العذاب؟ : هل يجزون أي بهذه الأغلال إلا ما كانوا أي كونا هم عريقون فيه يعملون أي على سبيل التجديد والاستمرار مما يدعون أنهم بنوه على العلم، وذلك الجزاء - والله أعلم - هو ما يوجب قهرهم وإذلالهم وإخزاءهم وإنكاءهم وإيلامهم كما كانوا يفعلون مع المؤمنين ويتمنون لهم.

التالي السابق


الخدمات العلمية