صفحة جزء
ولما بين حقارة الأصنام؛ وكل ما أشركوا به؛ بالنسبة إلى جلال عظمته؛ وكانوا لا يقدرون على ادعاء الشركة في الخلق في شيء من ذلك؛ [ ص: 71 ] وكان ربما أقدم على ادعائه معاند منهم؛ أو من غيرهم؛ وكان الناس قد توصلوا إلى معرفة شيء من التغيرات الفلكية؛ كالشروق؛ والغروب؛ والخسوف؛ وكانوا لا علم لهم بشيء من الزلازل؛ والزوال؛ قال - مبينا عظمته - سبحانه - بعد تحقير أمر شركائهم؛ معجزا؛ مهددا لهم على إقدامهم على هذا الافتراء العظيم؛ مبينا للنعمة بعدم المعاجلة بالهلاك؛ وأكده لأن من الناس المكذب به؛ وهم المعطلة؛ ومنهم من عمله - وإن كان مقرا - عمل المكذب؛ وهو من ينكر شيئا من قدرته؛ كالبعث -: إن الله ؛ أي: الذي له جميع صفات الكمال؛ يمسك السماوات ؛ أي: على كبرها؛ وعلوها؛ والأرض ؛ أي: على سعتها؛ وبعدها عن التماسك؛ على ما يشاهدون؛ إمساكا مانعا من أن تزولا ؛ أي: برجة عظيمة؛ وزلزلة كبيرة؛ أو زوالا لا تماسك معه؛ لأن ثباتهما على ما هما عليه على غير القياس؛ لولا شامخ قدرته؛ وباهر عزته وعظمته؛ فإن ادعيتم؛ عنادا؛ أن شركاءكم لا يقدرون على الخلق لعلة من العلل؛ فادعوهم لإزالة ما خلق - سبحانه.

ولما كان هذا دليلا على أنهما حادثتان زائلتان؛ أتبعه ما هو أبين منه؛ فقال - معبرا بأداة الإمكان -: ولئن زالتا ؛ أي: بزلزلة؛ أو خراب؛ إن ؛ أي: ما أمسكهما ؛ وأكد استغراق النفي بقوله: من أحد ؛ ولما كان المراد أن غيره - سبحانه - لا يقدر على إمساكهما في زمن من [ ص: 72 ] الأزمان؛ وإن قل؛ أثبت الجار؛ فقال: من بعده ؛ أي: بعد إزالته لهما؛ بل وإذا زلزلت الأرض اضطرب كل شيء عليها؛ والأصنام من جملته؛ فدل ذلك قطعا على أن الشركاء مفعولة؛ لا فاعلة.

ولما كان السياق إلى الترغيب في الإقبال عليه وحده أميل منه إلى الترهيب؛ وكان كأنه قيل: هو جدير بأن يزيلهما لعظيم ما يرتكبه أهلهما من الآثام؛ وشديد الإجرام؛ قال - جوابا لذلك؛ وأكده؛ لأن الحكم عما يركبه المبطلون؛ على عظمه؛ وكثرتهم؛ مما لا تسعه العقول -: إنه كان ؛ أي: أزلا؛ وأبدا؛ حليما ؛ أي: ليس من شأنه المعاجلة بالعقوبة للعصاة؛ لأنه لا يستعجل إلا من يخاف الفوت؛ فينتهز الفرص؛ ورغب في الإقلاع؛ مشيرا إلى أنه ليس عنده ما عند حلماء البشر من الضيق الحامل لهم على أنهم إذا غضبوا بعد طول الأناة لا يغفرون؛ بقوله: غفورا ؛ أي: محاء لذنوب من رجع إليه؛ وأقبل بالاعتراف عليه؛ فلا يعاقبه؛ ولا يعاتبه.

التالي السابق


الخدمات العلمية