صفحة جزء
ولما كانت هذه أمورا فرضية؛ يتأتى لبعض المعاندين اللد الطعن فيها مكابرة؛ وكان كونه - صلى الله عليه وسلم - نبي الرحمة؛ مانعا من المفاجأة بالتعذيب بعذاب الاستئصال بها؛ دل عليها بما يشاهدونه من باهر قدرته؛ وغريب حكمته في صنعته؛ فقال - دالا بالعاطف على غير معطوف عليه ظاهر؛ على أن التقدير: "فقد خلقناهم نطفا؛ ثم علقا؛ ثم مضغا؛ ثم أولدناهم لا يعلمون شيئا؛ ولا يقدرون على شيء؛ ثم درجناهم في أطوار الأسنان؛ معلين لهم في معارج القوى الظاهرة؛ والباطنة؛ إلى أن صاروا إلى حد الأشد - وهو استكمال القوى البشرية -؛ فأوقفنا قواهم الظاهرة؛ والباطنة؛ فلم نجر العادة بأن نحدث فيهم إذ ذاك قوة لم تكن أيام [ ص: 161 ] الشباب" -: ومن نعمره ؛ أي: نطل عمره؛ إطالة كبيرة منهم بعد ذلك؛ ننكسه ؛ وقراءة عاصم ؛ وحمزة ؛ بضم أوله؛ وفتح ثانيه؛ وكسر الكاف مشددة؛ دالة على تفاوت الناس في النكس؛ ولم يقل "في خلقه"؛ لئلا يظن أن المراد أن المعمر له خلق أنشأه وأبدعه؛ في الخلق ؛ أي: فيما أبدعناه من تقدير بدنه؛ وروحه؛ أي نرده على عقبه؛ نازلا في المدارج التي أصعدناه فيها؛ إلى أن تضمحل قواه الحسية؛ فيكون كالطفل؛ فلا يقدر على شيء؛ والمعنوية؛ فلا يعلم شيئا؛ ومن قدر على مثل هذا التحويل من حالة إلى أخرى لم تكن؛ طردا وعكسا؛ قدر على مثل ما مضى من التحويل؛ بلا فارق؛ غير أنهم لكثرة إلفهم لذلك صيره عندهم هينا؛ ولقلة وجود الأول صيره عندهم بعيدا؛ ولذلك سبب عن الكلام قوله - على الأسلوب الماضي في قراءة الجماعة؛ ولفتا إلى الخطاب عند المدنيين؛ ويعقوب؛ لأنه أقرب إلى الاستعطاف؛ وإعلاما بأن الوعظ عام لكل صالح للخطاب -: أفلا يعقلون ؛ وقال بعض العارفين: قيد بالخلق احترازا عن الأمر؛ فإن المؤتمر كلما زاد سنا ازداد لربه طاعة؛ وبه علما؛ يعني أن النكس في البدن أمر لا بد منه؛ وأما في المعارف فتارة؛ وتارة.

التالي السابق


الخدمات العلمية