صفحة جزء
ثم ذكر استبعادهم العودة الأخروية؛ وعظيم حيرتهم؛ وندمهم إذا شاهدوا ما به كذبوا؛ [ ص: 192 ] والتحمت الآي إلى ذكر الرسل مع أممهم؛ وجريهم في العناد؛ والتوقف؛ والتكذيب؛ على سنن متقارب؛ وأخذ كل بذنبه؛ وتخليص رسل الله؛ وحزبه؛ وإبقاء جميل ذكرهم باصطفائهم؛ وقربه؛ ثم عاد الكلام إلى تعنيف المشركين؛ وبيان إفك المعتدين؛ إلى ختم السورة؛ انتهى.

ولما ثبت أنه واحد؛ أنتج وصفه بقوله: رب ؛ أي: موجد؛ ومالك ؛ وملك؛ ومدبر السماوات ؛ أي: الأجرام العالية؛ والأرض ؛ أي: الأجرام السافلة؛ وما بينهما ؛ أي: من الفضاء المشحون؛ من المرافق؛ والمعاون؛ بما تعجز عن عده القوى؛ وهذا - مع كونه نتيجة ما مضى - يصلح أن يكون دليلا عليه؛ لما أشار إليه من انتظام التدبير؛ الذي لا يتهيأ مع التعدد؛ كما أن المقسم به هنا إشارة إلى دليل الوحدانية أيضا؛ بكونه على نظام واحد دائما في الطاعة؛ التي أشير إليها بالصف؛ والزجر؛ والتلاوة؛ فسبحان من جعل هذا القرآن معجز النظام؛ بديع الشأن؛ بعيد المرام.

ولما كان السياق للإفاضة بالتلاوة؛ وغيرها؛ وكانت جهة الشروق جهة الإفاضة بالتجلي الموجد للخفايا؛ الموجب للتنزه عن النقائص؛ [ ص: 193 ] وكان الجميع أليق بالاصطاف؛ الناظر إلى القهر بالائتلاف؛ قال: ورب المشارق ؛ أي: الثلاثمائة والستين؛ التي تجلى عليكم كل يوم فيها الشمس؛ والقمر؛ وسائر الكواكب السيارة؛ على كر الدهور؛ والأعوام؛ والشهور؛ والأيام؛ على نظام لا ينحل؛ ومسير لا يتغير ولا يختل؛ وذكرها يدل قطعا على المغارب؛ لأنها تختلف بها؛ وأعاد الصفة معها؛ تنبيها على وضوح دلالتها؛ بما فيها مما السياق له؛ من الاصطفاف؛ الدال على حسن الائتلاف؛ وللدلالة على البعث بالآيات بعد الغياب.

التالي السابق


الخدمات العلمية