صفحة جزء
ولما كان هذا الإنكار سببا للإصغاء؛ كرره مفصحا بسببه؛ فقال: أتدعون بعلا ؛ أي: إلها وربا؛ وهو صنم كان لهم في مدينة بعلبك؛ كان من ذهب؛ طوله عشرون ذراعا؛ وله أربعة أوجه؛ فكان الشيطان يدخل في جوفه ويتكلم بشريعة الضلالة؛ والسدنة يحفظونها؛ وهم أربعمائة؛ ويعلمونها الناس؛ ويحتمل أن يكون علما على الصنم المذكور؛ فيكون المفعول الثاني منويا؛ وحذف ليفهم الدعاء الذي لا دعاء يشبهه؛ وهو الدعاء بالإلهية؛ ومن قرأ شاذا "بعلاء"؛ بوزن "حمراء"؛ فهو إشارة إلى كثرة حث امرأة الملك على عبادة بعل؛ وقتل إلياس - عليه السلام -؛ وطاعة زوجها لها في ذلك - كما حكاه البغوي -؛ فاستحق التأنيث لذلك؛ [ ص: 285 ] فأنث لكثرة ملابستها له؛ والجنسية علة الصنم.

ولما كان دعاؤهم إياه للعبادة بينه بقوله: وتذرون ؛ ومادة "وذر"؛ تدور على ما يكره؛ فالمعنى: وتتركون ترك المهمل الذي من شأنه أن يزهد فيه؛ ولو قيل: "وتدعون"؛ تهافتا على الجناس؛ لم يفد هذا؛ وانقلب المراد؛ ولما كان الداعي لا يدعو إلا بكشف ضر؛ أو إلباس نفع؛ فكان لا يجوز أن يدعو إلا من يقدر على إعدام ما يشاء؛ وإيجاد ما يريد؛ قال - منبها لهم على غلطهم في الفعل؛ والترك -: أحسن الخالقين ؛ أي: وهو من لا يحتاج في الإيجاد؛ والإعدام إلى أسباب؛ فلا تعبدونه.

التالي السابق


الخدمات العلمية