صفحة جزء
ولما كان التقدير: فأقلعوا عن ذنوبكم؛ فإنها قاطعة عن الخير؛ مبعدة عن الكمال؛ عطف عليه استعطافا قوله - دالا على أن الغفران المتقدم إنما هو إذا شاء التفضل - سبحانه - بتوبة؛ وبغير توبة -: وأنيبوا ؛ أي: ارجعوا بكلياتكم؛ وكلوا حوائجكم؛ وأسندوا أموركم؛ واجعلوا طريقكم إلى ؛ ولفت الكلام إلى صفة الإحسان؛ زيادة في الاستعطاف؛ فقال: ربكم ؛ أي: الذي لم تروا إحسانا إلا وهو منه؛ وأسلموا له ؛ أي: أوجدوا إسلام جميع ما ملكه لكم؛ من الأعيان؛ والمعاني؛ متبرئين عنه لأجله؛ فإنه لو شاء سلبكموه؛ فإذا لم تكونوا مالكيه ملكا تاما فعدوا أنفسكم عارية عنه؛ غير مالكة له؛ ولا قادرة؛ وكأن الذي لكم بالأصالة ما كان.

ولما كان ذلك شديدا؛ لأن الكف عما أشرفت النفس على بلوغ الوطر منه في غاية المرارة؛ قال - مهددا لهم؛ دالا بحرف الابتداء على [ ص: 536 ] رضاه منهم بإيقاع ما أقر به في اليسير من الزمان؛ لأنه لا يقدر أحد أن يقدر الله حق قدره؛ باستغراق الزمان في الطاعة؛ وإن كان إبهام الأجل يحدو العاقل على استغراقه فيها -: من قبل أن يأتيكم ؛ أي: وأنتم صاغرون؛ العذاب ؛ أي: القاطع لكل العذوبة؛ المجرع لكل مرارة وصعوبة؛ ولما كان الإنسان ربما توقع ضررا في إقدامه على ما له فيه لذة؛ وحاول دفعه؛ قال - معظما لهذا العذاب؛ مشيرا بأداة التراخي إلى أنه لا يمكن دفعه؛ ولو طال المدى -: ثم لا تنصرون ؛ أي: لا يتجدد لكم نوع نصر أبدا.

التالي السابق


الخدمات العلمية