صفحة جزء
ولما كان الإنسان قد يغفر له ويكرم، وفيه من الأخلاق ما ربما [ ص: 16 ] حمله على بعض الأفعال الناقصة دعوا لهم بالكمال فقالوا: وقهم السيئات أي بأن تجعل بينهم وبينها وقاية بأن تطهرهم من الأخلاق الحاملة عليها بتطهير القلوب بنزع كل ما يكره منها أو بأن يغفرها لهم ولا يجازيهم عليها، وعظموا هذه الطهارة ترغيبا في حمل النفس في هذه الدار على لزومها بقمع النفوس وإماتة الحظوظ بقولهم: ومن تق السيئات أي جزاءها كلها يومئذ أي يوم إذ تدخل فريقا الجنة وفريقا النار المسببة عن السيئات أو إذ تزلف الجنة للمتقين وتبرز الجحيم للغاوين: فقد رحمته أي الرحمة الكاملة التي لا يستحق غيرها أن يسمى معها رحمة، فإن تمام النعيم لا يكون إلا بها لزوال التحاسد والتباغض والنجاة من النار باجتناب السيئات ولذلك قالوا: وذلك أي الأمر العظيم جدا هو أي وحده الفوز العظيم فالآية من الاحتباك: ذكر إدخال الجنات أولا دليلا على حذف النجاة من النار ثانيا، ووقاية السيئات ثانيا دليلا على التوفيق للصالحات أولا، وسر ذلك التشويق إلى المحبوب - وهو الجنان - بعمل المحبوب - وهو الصالح - والتنفير من النيران باجتناب الممقوت من الأعمال، وهو السيئ فذكر المسبب أولا وحذف السبب لأنه لا سبب في الحقيقة إلا الرحمة، وذكر السبب ثانيا [ ص: 17 ] في إدخال النار وحذف المسبب.

التالي السابق


الخدمات العلمية