صفحة جزء
ولما قصر الحكم عليه دل على ذلك [ ص: 21 ] بقوله ذاكرا من آيات الآفاق العلوية ما يرد الموفق عن غيه: هو أي وحده الذي يريكم أي بالبصر والبصيرة آياته أي علاماته الدالة على تفرده بصفات الكمال تكميلا لنفوسكم، فينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بإعادة ما تحطم فيها من الحبوب فتفتتت بعد موتها بصيرورة ذلك الحب ترابا لا تميز له عن ترابها فيتذكر به البعث لمن انمحق فصار ترابا وضل في تراب الأرض حتى لا تميز له عنه من طبعه الإنابة، وهو الرجوع عما هو عليه من الجهل إلى الدليل بما ركز في فطرته من العلم، وذلك هو معنى قوله: وينـزل لكم أي خاصا بنفعكم أو ضركم من السماء أي جهة العلو الدالة على قهر ما نزل منها بإمساكه إلى حين الحكم بنزوله رزقا لإقامة أبدانكم من الثمار والأقوات بإنزال الماء فهو سبحانه يدلكم عليه ويتحبب إليكم لتنفعوا أنفسكم وأنتم تتبغضون إليه وتتعامون عنه لتضروها وما يتذكر ذلك تذكرا تاما - بما أشار إليه الإظهار - فيقيس عليه بعث من أكلته الهوام، وانمحق باقيه في الأرض إلا من ينيب أي له أهلية التجديد في كل وقت للرجوع إلى [ ص: 22 ] الدليل بأن يكون حنيفا ميالا للطافته مع الدليل حيثما مال. ما هو بحلف جامد ما ألفه، ولا يحول عنه أصلا، لا يصغى إلى قال ولا قيل، ولو قام على خطابه كل دليل.

التالي السابق


الخدمات العلمية