صفحة جزء
ولما أخبر عن إذعان كل نفس بانقطاع الأسباب، أخبرهم بما يزيد رعبهم، ويبعث رغبهم ورهبهم، وهو نتيجة تقدره بالملك قال: اليوم تجزى أي تقضى وتكافأ، بناه للمفعول لأن المرغب المرهب نفس الجزاء ولبيان سهولته عليه سبحانه كل نفس لا تترك نفس واحدة لأن العلم قد شملهم والقدرة قد أحاطت بهم وعمتهم، والحكمة قد منعت من إهمال أحد منهم. [ ص: 29 ] ولما كان السياق للملك والقهر يقتضي الجزاء واعتماد الكسب الذي هو محط التكليف بالأمر والنهي ويقتضي النظر في الأسباب، لأن ذلك شأن الملك، قال معبرا بالباء والكسب: بما أي بسبب ما كسبت أي عملت، وهي تظن أنه يفيدها سواء بسواء بالكيل الذي كالت يكال لها.

ولما كانت السببية مفهمة للعدل، فإن الزيادة تكون بغير سبب، قال معللا نافيا مثل ما كانوا يتعاطونه من ظلم بعضهم لبعض في الدنيا: لا ظلم أي بوجه من الوجوه اليوم ولما كان استيفاء الخلائق بالمجازاة أمرا لا يمكن في العادة ضبطه، ولا يتأنى حفظه وربطه، فكيف إذا قصدت المساواة في مثاقيل الدر فما دونها:


بميزان قسط لا يخيس شعيرة ... له شاهد من نفسه غير عائل



ضافت النفوس من خوف الطول، فخفف عنها بقوله معلما أن أموره على غير ما يعهدونه، ولذلك أكد وعظم بإظهار الاسم الأعظم: إن الله أي التام القدرة الشامل العلم سريع الحساب أي بليغ السرعة فيه، لا يشغله حساب أحد عن حساب غيره في وقت حساب ذلك الغير، ولا يشغله شأن عن شأن لأنه لا يحتاج إلى تكلف عد، ولا يفتقر إلى مراجعة كتاب، ولا شيء، فكان في ذلك ترجية للفريقين [ ص: 30 ] وتخويف، لأن الظالم يخشى إسراع الأخذ بالعذاب، والمؤمن يرجو إسراع البسط بالثواب.

التالي السابق


الخدمات العلمية