صفحة جزء
ولما تقرر بما مضى أن المطيع ناج، وتحرر أن العاصي هالك كانت النتيجة من غير تردد: من عمل صالحا كائنا من كان من ذكر أو أنثى فلنفسه أي فنفع عمله لها ببركتها به لا يتعداها، والنفس فقيرة إلى التزكية بالأعمال الصالحة لأنها محل النقائص، فلذا عبر بها، وكان قياس العبارة في جانب الصلاح. "ومن عمل سيئا" فأفاد العدول إلى ما عبر به مع ذكر العمل أولا الذي مبناه العلم إن الصالح تتوقف صحته على نيته، وأن السيئ يؤاخذ به عامله في الجملة من الله أو الناس ولو وقع خطأ فلذا قال: ومن أساء [ ص: 210 ] أي في عمله فعليها أي على نفسه خاصة ليس على غيره منه شيء.

ولما كان لمقصد السورة نظر كبير إلى الرحمة، كرر سبحانه وصف الربوبية فيها كثيرا، فقال عاطفا على ما تقديره: فما ربك بتارك جزاء أحد أصلا خيرا كان أو شرا: وما ربك أي المحسن إليك بإرسالك لتتميم مكارم الأخلاق. ولما كان لا يصح أصلا ولا يتصور أن ينسب إليه سبحانه ظلم، عبر للدلالة على ذلك بنكرة في سياق النفي دالة على النسبة مقرونة بالجار فقال: بظلام أي بذم ظلم للعبيد أي الجنس فلا يتصور أن يقع منه ظلم لأحد أصلا لأن له الغنى المطلق والحكمة البالغة، وعبر ب "عبيد" دون عباد لأنه موضع إشفاق وإعلام بضعف وعدم قدرة على انتصار وعناد يدل على طاعة وعدم حقارة بل إكرام هذا أغلب الاستعمال، ولعل حكمة التعبير بصيغة المبالغة الإشارة إلى أنه لو ترك الحكم والأخذ للمظلوم من الظالم، لكان بليغ الظلم من جهة ترك الحكمة التي هي وضع الأشياء في أتقن محالها ثم من جهة وضع الشيء وهو العفو عن المسيء وترك الانتصار للمظلوم في غير موضعه، ومن جهة التسوية بين المحسن والمسيء، وذلك أشد في تهديد الظالم لأن الحكيم لا يخالف الحكمة فكيف إذا كانت المخالفة في غاية البعد عنها - هذا مع أن التعبير بها لا يضر [ ص: 211 ] لأنها موضوعة أيضا للنسبة إلى أصل المعنى مطلقا ولأن نفي مطلق الظلم مصرح به في آيات أخرى.

التالي السابق


الخدمات العلمية