صفحة جزء
ولما كان التقدير: فلو شئنا لجعلنا الناس كلهم من أنثى بلا ذكر، ولو شئنا لساويناكم بهم في ذلك الذي ضربناه عليهم من الذل عندما [ ص: 459 ] جعلوا له مثل السوء فزدنا ما أنتم فيه من الذل والحقارة عن سائر الأمم بأن سلطانهم عليكم حتى استباحوكم، ولو شئنا لمحوناكم أجمعين عن وجه الأرض فتركناها بيتا؟ لا أنيس بها، عطف عليه قوله: ولو معبرا بصيغة المضارع إشارة إلى دوام قدرته على تجديد الإبداع فقال: نشاء لجعلنا أي على ما لنا من العظمة ما هو أغرب مما صنعناه في أمر عيسى عليه الصلاة والسلام منكم أي جعلا مبتدئا منكم، إما بالتوليد كما جعلنا عيسى عليه الصلاة والسلام من أنثى من غير ذكر وجعلنا آدم عليه الصلاة والسلام من تراب من غير أنثى ولا ذكر وإما بالبدلية ملائكة في الأرض يخلفون أي يكونون خلفا لكم شيئا بعد شيء بعد إعدامكم فجعلناهم مثلا لكم كما جعلنا عيسى عليه الصلاة والسلام مثلا لبني إسرائيل، ويجوز أن يكون المعنى: لجعلنا بعضكم ملائكة بأن نحول خلقتهم فنجعلهم خلفا لمن تحولوا عنهم ونخلف بعضهم بعضا، فإنهم من جملة عبادنا أجسام تقبل التوليد كما تقبل الإبداع، وعلى كلا التقديرين فذلك إشارة إلى أن الملائكة ذوات ممكنة من جملة عبيده سبحانه، يصرفهم في مراده إن شاء في السماء، وإن شاء في الأرض، لا شيء منكم إلا وهو بعيد جدا عن رتبة الإلهية إرشادا لهم إلى الاعتقاد [ ص: 460 ] الحق في أمره سبحانه بشمول قدرته وكمال علمه اللازم منه أنه لا إله إلا هو.

التالي السابق


الخدمات العلمية