صفحة جزء
ولما ذكر سبحانه الإعدام والخلافة بسببه فرضا، ذكر أن إنزاله إلى الأرض آخر الزمان أمارة على إعدام الناس تحقيقا، فقال مؤكدا لأجل إنكارهم: وإنه أي عيسى عليه الصلاة والسلام لعلم للساعة أي نزوله سبب للعلم بقرب الساعة التي هي إعدامه الخلائق كلهم بالموت، وكذا ما نقل عنه من أنه كان يحيى وكذا إبراؤه الأسقام سبب عظيم للقطع بالساعة التي هي القيامة، فهو سبب للعلم بالأمرين: عموم الإعدام وعموم القيام.

ولما كان قريش يستنصحون اليهود يسألونهم - لكونهم أهل الكتاب - عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وكان النصارى مثلهم في ذلك، وكان كون عيسى عليه الصلاة والسلام من أعلام الساعة أمرا مقطوعا به عند الفريقين، أما النصارى فيقولون: إنه الذي أتى إليهم ورفع إلى السماء كما هو عندنا، وأما اليهود فيقولون: إنه إلى الآن لم يأت، ويأتي بعد، فثبت بهذا أمر عيسى عليه الصلاة والسلام فيما أخبر الله تعالى عنه من إنعامه عليه، ومن أنه من أعلام الساعة بشهادة الفرق الثلاثة اليهود والنصارى والمسلمين ثباتا عظيما جدا، فصارت كأنها مشاهدة، فلذلك سبب عما سبق قوله على لسان نبيه عليه الصلاة والسلام، لافتا القول إلى مواجهتهم مؤكدا في مقابلة [ ص: 461 ] إنكارهم لها بما ثبت من شهادة الفرق الثلاثة: فلا تمترن أي تشكوا أدنى شك وتضطربوا أدنى اضطراب وتجحدوا أدنى جحد وتجادلوا أدنى جدل بها أي بسببها، يقال: مرى الشيء وامتراه: استخرجه، ومراه مائة سوط: ضربه، ومراه حقه، أي جحده، والمرية بالضم والكسر: الجدل والشك واتبعون أي أوجدوا تبعكم بغاية جهدكم هذا أي كل ما أمرتكم به من هذا وغيره صراط أي طريق واسع واضح مستقيم أي لا عوج فيه.

التالي السابق


الخدمات العلمية