صفحة جزء
ولما قسمهم في الأعمال، جمعهم في العدل والإفضال فقال: ولكل أي: من فريقي السعداء والبعداء من القبيلتين: الجن [ ص: 158 ] والإنس، في الدنيا والآخرة درجات أي: دركات؛ أي منازل ومراتب متفاضلين فيها " من " أجل " ما عملوا " أو من جوهره ونوعه من الأعمال الصالحة والطالحة. ولما كان التقدير: ليظهر ظهورا بينا أنه سبحانه فاعل بالاختيار بالمفاوتة بين العقلاء ويظهر بينا لا وقفة فيه أن الحقائق على غير ما كان يتراءى لهم في الدنيا؛ فإن حجب المكاره والشهوات كانت تري الأمور على خلاف ما هي عليه، عطف عليه قوله في قراءة البصريين وعاصم وهشام عن ابن عامر بخلاف عنه: وليوفيهم أي: ربهم الذي تقدم إقبال المحسن عليه ودعاؤه له، وقراءة الباقين بالنون أنسب لمطلع السورة ولما يشير إليه من كشف حجب الكبرياء في يوم الفصل.

ولما كان سبحانه يعلم مثاقيل الذر وما دونها وما فوقها ويجعل الجزاء على حسبها في المقدار والشبه والجنس والنوع والشخص حتى يكاد يظن العامل أن الجزاء هو العمل قال: أعمالهم أي: جزاءها من خير وشر وجنة ونار - وهذا ظاهر، أو نص في أن الجن يثابون بالإحسان كما يعاقبون بالعصيان، وسورة الرحمن كلها خطاب للثقلين [ ص: 159 ] بالثواب لأهل الطاعة، والعقاب لأهل المعصية من كل من القبيلتين; كما سيأتي إن شاء الله تعالى بيانه، ويجزى مطيعهم بالثواب كما يجازى عاصيهم بالعقاب - قاله مالك وابن أبي ليلى والضحاك وغيرهم كما نقله البغوي .

وهم أي: والحال أنهم لا يظلمون أي: لا يتجدد لهم شيء من ظالم ما من ظلم في جزاء أعمالهم بزيادة في عقاب أو نقص من ثواب، بل الرحمانية كما كانت لهم في الدنيا فهي لهم في الآخرة فلا يظلم ربك أحدا بأن يعذبه فوق ما يستحقه من العقاب، أو ينقصه عما يستأهل من الثواب.

التالي السابق


الخدمات العلمية