صفحة جزء
ولما تضمن قولهم هذا نسبة داعيهم عليه الصلاة والسلام إلى ما لا دلالة لكلامه عليه بوجه، وهو ادعاء العلم بعذابهم والقدرة عليه وتكذيبه في كل منهما اللازم منه [أمنهم اللازم منه] ادعاؤهم العلم بأنهم لا يعذبون، وكانوا كاذبين في جميع ذلك [كان] كأنه قيل: [ ص: 166 ] بم أجابهم؟ فقيل: قال مصدقا لهم في سلب علمه بذلك وقدرته عليه، مكذبا لهم في نسبتهم إليه ادعاء شيء منهما وإلى أنفسهم بأنه لا يقع: إنما العلم أي: المحيط بكل شيء عذابكم وغيره عند الله أي: المحيط بجميع صفات الكمال، فهو ينزل علم ما توعدون على من يشاء إن شاء ولا علم لي الآن، ولا لكم بشيء من ذلك ولا قدرة.

ولما كان العلم المحيط يستلزم القدرة، فكان التقدير: فليست القدرة على الإتيان بعذابكم إلا له سبحانه وتعالى لا لي ولا لغيري، وليس علي إلا البلاغ كما أوحى إلي ربي بقوله سبحانه: إن عليك إلا البلاغ وقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم من الوعظ بأن أعمالكم أعمال من قد أعرض عن سيده وعرض نفسه للهلاك والعذاب بإشراكه بالمحسن المطلق من لا يكافئه بوجه فهو بحيث يخشى عليه الأخذ، عطف عليه قوله: وأبلغكم أي: أيضا في الحال والاستقبال ما أرسلت أي: ممن لا مرسل في الحقيقة غيره، فإنه يقدر على نصر رسوله به [ ص: 167 ] أي: من التوحيد وغيره، سواء كان وعدا أو وعيدا أو غيرهما لو لم يذكر الغاية؛ لأن ما أرسل به صالح لهم ولغيرهم.

ولما كان معنى الإخبار بالإبلاغ أنه ليس علي إلا ذلك، وكان معنى قصر العلم المطلق على الله تصديقهم في نفي علمه عليه الصلاة والسلام بذلك، حسن قوله مستدركا علمه بجهلهم: ولكني أراكم أي: أعلمكم علما هو كالرؤية قوما غلاظا شدادا عاتين تجهلون أي: [بكم] مع ذلك صفة الجهل، وهو الغلظة في غير موضعها مع قلة العلم، تجددون لك على سبيل [الاستمرار بسبب] أنكم تفعلون بإشراككم بالمحسن المطلق و [هو] الملك الأعظم من لا إحسان له بوجه أفعال من يستحق العذاب ثم لا تجوزون وقوعه وتكذبون من ينبهكم على أن ذلك أمر يحق أن يحترز منه، وتنسبونه إلى غير ما أرسل له من الإنذار من ادعاء القدرة على العذاب ونحوه.

التالي السابق


الخدمات العلمية